بقلم : أمينة خيري
أيام قليلة، ويهل علينا الشهر الفضيل. يهل علينا بروحانياته الهادئة وعباداته الراقية وفرصه التى يمنحها لنا للتفكير والتدبير. ونهل نحن عليه بأسئلة: هل القطرة ونقط الأذن تفطر؟ وما حكم من ابتلع كوب شاى أثناء أذان الفجر؟ وما حكم من قال «بسم الله الرحمن الرحيم» ولم يقل «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت»؟ وما حكم من جامع زوجته فى نهار رمضان وهو ناسٍ؟ وهل يقبل الدعاء بين العصر والمغرب؟ وما أفضل الأوقات للدعاء؟ وما حكم صوم النصاب والحرامى والضلالى والمحتال والنشال؟.
وبالطبع، القائمة اللانهائية من حكم صوم المرأة المريضة، والحامل، والمرضع، والطفلة، والمراهقة، والمطلقة، والمسافرة، والمقيمة، إلى آخر قائمة المرأة التى تشغل البال والحال والمحال.
أشفق كثيرا على علماء الدين الأجلاء من تواتر مثل هذه الأسئلة على رؤوسهم فى مثل هذا الوقت من كل عام على مدار مئات الأعوام. وأشفق كثيرا على الأثير الذى يتم إهداره، وإهدار وقت وجهد وأعصاب القائمين عليه للاستفاضة فى هذه الأسئلة كل عام.
وأشفق على جموع الصائمين ممن يفترض أن تشغلهم أمور أخرى مثل مستقبل البلاد فى ظل تقهقر قيمة العمل ومكانة العلم، ومآل العباد فى ظل مشاهدات طغيان كل أنواع وأشكال التدين المظهرى على جوهر الدين، حتى أصبح يبدو كأن هناك دينين متوازيين لا علاقة لأحدهما بالآخر، الأول مظهرى بحت، والثانى جوهرى متكامل حيث الدين يكمل حياة الناس ولا يعرقلها أو يصنع منها عالما موازيا لا علاقة له بالزمن الذى نعيش فيه، أو على الأقل بالزمن الذى نحن مقبلون عليه، ونحن عنه غافلون متغافلون.
وتحسبا لهجوم الهجّامين وتربص المتربصين واتهامات البهاليل بأن هذه مطالبة بالقضاء على الدين وكراهية المتدينين، أكتفى بالقول إنها ليست كذلك. هى دعوة للارتقاء بأنفسنا لأن الدين راقٍ، والاعتناء بحياتنا العناية التى يحثنا عليها الدين، لا العناية التى زج بنا فيها المنتفعون والمهتمون بإبقائنا فى خانة: هل قطرة العين تفطر؟ وليس هل الإهمال والنصب والاحتيال والكذب واللكلكة والنفاق والرياء والتحرش واختراع دين جديد والادعاء بأنه الدين الحق يفطر؟.
قلبى مع رجال الدين وعلمائه الأجلاء الذين يعتقدون أن عليهم تكرار ما يقال عبر العقود كل عام. هناك من يقول إن على رجل الدين أن يجيب عن أى سؤال يوجه له، سواء كان مهما أو غير ذلك، أو أن كل الأسئلة مهمة طالما تطرأ على بال الناس. ولكن ماذا عن تلك الجهود التى تعمل على إبقاء الناس فى هذا المربع الضيق الخانق الرتيب المعطل للعقول؟.
ألم يحن الوقت لتحرير العقول واعتبار الناس كائنات مفكرة بحق؟ ماذا لو تم تخصيص باب أو سلة للأسئلة المستهلكة لمن أراد، ومساعدة الناس على التحرك نحو المستقبل؟ أو على الأقل الحاضر؟ سيتبقى لدينا الكثير من الوقت والجهد والمال لنستثمرها بشكل أفضل من قطرة العين وجماع الزوجة. ورمضان كريم.