بقلم : أمينة خيري
أمامنا فرصة ماسية لإصلاح مسارنا الشعبى البيئى دون تكبد عناء تشكيل لجان لسن خطط تضع تصورات وترسم مسارات وتكلف شخصيات بغية تحديد الإجراءات وسن الخطوات من أجل عقد جلسة صلح بين الشعب والبيئة. والفرص تأتى عادة محملة بكم من الهدايا والعطايا، لكن مدة صلاحيتها تكون قصيرة للغاية، لذلك «يا نلحقها يا منلحقهاش».
بين بعضنا وقضايا البيئة علاقة غير مفهومة. فعلى الرغم من أن المصريين من أوائل شعوب الأرض الذين أبرموا عهوداً وعقود تواؤم مع بيئتهم الطبيعية، إلا أن ما جرى من أحداث وحوادث على مدار عقود دفع البعض للتخلى عن بعض هذه العهود. السماد الطبيعى يستخدمه الفلاحون منذ قرون. خليط من بقايا الطعام ومخلفات الحيوانات والنباتات يصنعه المصريون قبل أن ينتبه العالم لمميزات تدوير الموارد. فرز النفايات يجرى فى مناطق تجميع القمامة منذ عقود طويلة. وعلى الرغم من العديد من المشكلات المتعلقة بالصحة والنظافة وغيرها فى تلك الأماكن، فإن فكرة الفرز والتصنيف بغرض إعادة التدوير مستخدمة فى مصر منذ زمن طويل. وأمثلة التواؤم المصرى الفطرى مع البيئة وقضاياها كثيرة، وأغلبها يعود إلى سنوات تصل للآلاف.
لكن مجريات الحياة والهوس الاستهلاكى وأنماطه مع وهن الوعى بالصالح العام وتغير ترتيب الأولويات أمور ألحقت الضرر بعلاقة الكثيرين بالبيئة من حولهم. التدهور البيئى وتغير المناخ وجهان لعملة واحدة. ولأن المواطن العادى مثقل بكم كبير من المشكلات، ومتخم بحمل هائل من المسئوليات فى ظل أوضاع عالمية بالغة الصعوبة لم تترك بلداً إلا وأثرت سلباً على اقتصاده وشعباً إلا وأصابت تفاصيل حياته اليومية بالكثير، فإن التوقيت ليس ملائماً لتشكيل لجان تضع مخططات لبناء وعى بيئى لدى المواطن، بدءاً بالمدرسة مروراً بالبيت وانتهاء بالشارع وأماكن العمل. صحيح أن قدراً ما من الجهود تبذل فى هذا المسار، لكن انعقاد الحدث البيئى والمناخى الأهم والأبرز فى شرم الشيخ «كوب 27» فى شهر نوفمبر المقبل فرصة ماسية للإصلاح والتقويم وحصد الفوائد.
مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (كوب 27) هو الحدث البيئى والمناخى الأهم. وأن يعقد فى مصر فى هذا التوقيت بالغ الحساسية فهو يمثل فوائد مضافة عديدة لنا. بالإضافة إلى تركيز الاهتمام على مصر كمقصد سياحى واستثمارى لم ينل بعد ما يستحقه، وضمن هذه الفوائد إيقاظ وعينا الشعبى لما نقترفه من أخطاء تبدو بسيطة أو صغيرة، وما نستهين به من تصرفات تبدأ بالبصق فى الشارع وإلقاء القمامة من النافذة وعلى قارعة الطريق مروراً بالاستهلاك الجنونى للأكياس البلاستيكية وانتهاء بالمركبات والمصانع والمحارق التى تنفث سمومها فى الهواء. هواء مصر يحتمل الكثير من العمل، منه المنظم المخطط المدبر المنبثق عن لجان والمنشطر من إجراءات والنابع من قرارات، ومنه ما تمنحه الفرص التى لا تتوافر إلا نادراً، ومنها «كوب 27».
نتفهم تماماً أن يشعر المواطن العادى بأن قضايا المناخ الأممية وملفات البيئة العلمية مسائل لا تمت له بصلة. ويكفيه ما هو فيه من تدبير لمصاريف العيال، وربما إنجاب المزيد منهم ليسند بعضهم البعض ومن ثم تحمل المزيد من المصاريف، أو التخطيط لثمن الدروس الخصوصية والسناتر للعام المقبل، أو الدخول فى جمعية لتزويج صغيرته، أو البحث عن خط مواصلات أوفر إلى آخر القائمة المعروفة لقاعدة عريضة من الناس.
قطاع من الناس لا يدرك أن بناء أحدهم بيتاً على الأرض الزراعية خلسة يفقد الأجيال الحالية والمقبلة مصدر غذائها، ولا يعلم أن الإصرار على حرق المخلفات أو إلقاء المخلفات فى الشارع أو تلويث مياه النيل أو قيادة سيارة انتهى عمرها الافتراضى قبل عشرات السنين ليست حرية شخصية، بل هو إفقار للجميع. والغالبية لا تفكر كثيراً فى أن ما تقوم به من إسراف رهيب فى استخدام الحقائب البلاستيكية مثلاً هو أمر فيه من السفه ما يكفى الكوكب كله. جدتى كانت تستخدم شنطة من الشبك، ولم تشعر يوماً أن حياتها تأثرت سلباً لأن البقال لا يبيع لها الجبن والسكر والشاى فى حقائب بلاستيكية.
فرصتنا فى «كوب 27» رائعة. فهى تختصر سنوات كثيرة وملايين عديدة من ميزانيات «عزيزى المواطن.. البيئة بيئتك إن خربتها خربت حياتك» أو «بيئة نظيفة حياة جميلة» أو غيرها. كما أنها تدق على أدرينالين الأحداث الكبيرة والمهمة، وليس هناك أفضل أو أنجع من الدق على حديد الفعاليات الكبرى وهى ساخنة.
رسائل سريعة رشيقة دون وعظ وإرشاد، أو تهديد ووعيد تخبر المواطن العادى بما يمكن عمله ليساهم فى الحفاظ على بيئته وبيئة أولاده. ولنا فى تجربة بيع عبوات المشروبات الغازية المعدنية وزجاجات المياه البلاستيكية المستعملة عبرة. كثيرون يمضون ساعات من يومهم بحثاً عن تلك الكنوز الثمينة لأن الغاية تبرر الوسيلة.