بقلم:أمينة خيري
نتمنى السلامة لسوريا وأهلها. ولأن التمنى وحده لا يكفى، فإن النظر إلى ما يجرى، والاعتماد على حسابات بديهية وألف باء منطق إجراءات لا تضر، بل تفيد، جديرة بالوقت والجهد.
فى المقال السابق والذى نشر قبل سقوط، أو بحسب اللغة المستخدمة على نطاق واسع الآن بين المهللين والفرحين، «فتح» سوريا، تم التطرق إلى المتلازمة المضللة أو المخطط المدروس للديكتاتورية فى مقابل الحكم الدينى، وهى المتلازمة التى تُحول إلى مستنقع مستدام وتهديد مستمر لدول عدة.
للراغب فى البحث عن معلومات، لا أمنيات أو صيغة دعاء، الميليشيا التى أسقطت النظام السورى معروفة، ومرجعيتها التى تعود إلى تنظيم «القاعدة» لا ينكرها عاقل أو سفيه، والقول بأن من تشبع بفكر تنظيم يخلط بين العنف والمعتقد يمكن أن يتحول من يمين العنصرية الفكرية والفاشية الدينية إلى يسار الحكم المدنى الديمقراطى واحترام الآخر وقبول الاختلاف والتحليق فى عوالم الحق والخير والجمال، هو قول فانتازيا لا يمت للواقع والتاريخ والجغرافيا والمنطق بصلة.
نتمنى الخير لسوريا وأهلها، نعم. لكن ننساق وراء السذاجة السياسية أو الخرف التحليلى أو البله الفكرى، ونقول «اليوم تحررت سوريا، فلنغتنم الفرصة ونفرح ونضحك ونلعب ونلهو، وغدًا نبكى على أطلالها التى نعرف أنها قادمة لأن أمما كتب عليها البكاء والبؤس والشقاء»، فهذا جنون.
ليس المطلوب أن نبكى أو نضحك، ولا أن نتفاءل أو نتشاءم. المطلوب أن نعقل ما جرى وسيجرى، ونقى أنفسنا شرور المستقبل القريب. إنه المستقبل المحفور فى عقيدة الأعداء وكتبهم ومخططاتهم، وهو المستقبل الذى بدأ تنفيذه فى ١٩٤٨، ويركض القائمون عليه لوضع اللمسات الأخيرة عليه منذ السابع من أكتوبر الماضى. الفرصة ذهبية، وقلما تتوافر بهذا الحجم، وفى ظل ظروف كالتى تعيشها المنطقة العربية، ومحيطها حيث إسرائيل وتركيا وإيران، والأيادى العابثة بها وفيها من مشارق الأرض ومغاربها. للفريق المطالب بفسحة من الوقت ليفرح ويضحك ويتبادل التهانى بـ«فتح» سوريا، يمكنكم الانضمام لنا بعد أن تنتهى الفقرة الكوميدية، وللمتعقلين، ليس المطلوب البكاء أو اللطم. مطلوب فقط حد أدنى من المنطق. «فتح» سوريا بداية الفصل الأخير من فصول الخريطة المرجوة، و«هبل» الآن تحررت سوريا يستوجب علاجًا نفسيًا مع حصص تاريخ مكثفة وقراءة ألف باء أحداث المنطقة منذ بزغ نجم جماعات الإسلام السياسى.
لا تبنى الديمقراطية بأيدى جماعات تعتنق العنف وتؤمن بفوقيتها بناء على المعتقد وتقبل التدريب الأجنبى وتعتمد على التمويل المشبوه، مهما بلغ مسؤولو العلاقات العامة والتسويق والتمويه فيها من مهارة وحذاقة. تخلع اسمًا وزيًا ولحية، وترتدى أخرى أكثر جاذبية للغرب، تظهر فى اللقاءات بظهرك وأعلام الجهادية السلفية تحلق أمامك، ثم تجلس أمام الكاميرا والمذيعة غير المحجبة ترتدى «إيشارب» وكأنها تقابل بابا الفاتيكان أو شيخ الأزهر، تظل النهاية واحدة. نتمنى لسوريا وأهلها السلامة، لكن السلامة فى واد وحسابات الواقع فى آخر.