بقلم : محمد أمين
من المقالات التى أسعد بكتابتها، تلك التى تشجع البحث العلمى وتشير إلى منجزاته.. ومنها هذه المقالة.. فقد حصل الزميل أسامة زايد نائب رئيس تحرير «الجمهورية» على درجة الدكتوراة فى الفلسفة الإسلامية بتقدير مرتبة الشرف الأولى من كلية دار العلوم جامعة القاهرة بعنوان «الأخرويات بين الحضارة المصرية القديمة والفكر الإسلامى».. وهو يؤكد فى هذه الرسالة أن المصريين كانوا أول شعوب الأرض اهتمامًا بالتوحيد والبعث بعد الموت والحياة الآخرة.. وقد لاحظ أن هناك صلة بين الحياة بعد الموت فى المصرية القديمة والفكر الإسلامى!.
يقول الدكتور أسامة إن عقيدة المصريين القدماء عن الحياة الآخرة زخرت بالنصوص والصور والأشكال التى تنتشر فى الجبانات وعلى جدران المعابد، ما يبرهن عمق وثراء الفكر الدينى وإيمانهم العميق، الذى وصل إلى حد الاعتقاد بوجود إله واحد فرد صمد مسيطر على هذا الكون، وإن كان يشوب بعض النصوص الغموض ويصعب تفسيرها، وهذا يرجع إلى تدخلات رجال الدين «الكهنة» الذين يضفون على العالم الأخروى أسرارًا خاصة بهم للاحتفاظ بمكانتهم داخل المجتمع وتحقيق المكاسب المادية!.
وعرّف المصريون القدماء حقيقة الحياة الدنيا بأنَّها «مرحلة انتقالية» وأنَّ الحياة الآخرة هى «الحياة الأبدية السرمدية»، لذلك سخّروا حياتهم الأولى فى فعل الطاعات والخيرات واتباع أوامر الإله الخالق لكى يسعدوا فى عالمهم الأخروى، وآمنوا بالبعث والنشور والحساب والجزاء والميزان والصراط والجنة والنار بعد الموت، وبناء على ذلك يرى الباحث أنَّ كل ما ورد عن مظاهر إيمان المصرى القديم بالحياة الآخرة موافق فى كثير من محتوياته لما جاءت به الأديان والرسالات السماوية التى بين أيدينا الآن!.
والسؤال الذى يطرح نفسه: من أين عرف المصريون القدماء كل هذه التصورات عن عالم الآخرة؟ ومن أين استقوا مصادرها؟!.. وهل كانت هذه المصادر آثار ديانات سماوية بائدة، أم كانت بقايا ديانات وثنية وضعية، مع الأخذ فى الاعتبار أنَّ مثل هذه القضايا عن العالم الأخروى ليست مما يدرك بالعقل، أو يخضع لمقاييس المنطق؟.
وكشف الباحث معتقدات المصريين القدماء حول العالم الآخر ومراحل تطورها، وتطرق إلى ماهية الموت وأنواعه، واستعدادات المصريين القدماء إلى هذا العالم الذى يتطلب منه تشييد المقبرة وتقديم القرابين وزيارة الموتى بصفة مستمرة وفى المواسم والأعياد، وكان الإنفاق على ذلك من خلال الأوقاف التى يوقفها الميت فى حياته الدنيا ويعهد إلى ابنه الأكبر فى القيام بهذه التدابير. وعرف المصرى القديم مسألة تلقين الميت، والتى تعد فلسفة لاهوتية مصرية خالصة سبقت بها كافة الرسالات السماوية.
وكشفت الدراسة عن مدى علاقة الإنسان بمعبوده وسعيه الدءوب إلى إرضائه من خلال تقديم القرابين وصيانة المعابد وعدم ارتكاب الموبقات بها، وكانت الطهارة شرطًا لدخولها.
تكونت لجنة المناقشة من الأساتذة: د. عبدالراضى محمد عبدالمحسن عميد كلية دار العلوم السابق ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية مشرفا، وأ.د. طارق سيد توفيق مشرفًا مشاركًا، الأستاذ بكلية الآثار - جامعة القاهرة، وأ.د. عبدالحميد عبدالمنعم مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية بالكلية، وأمين عام مجمع اللغة العربية مناقشًا داخليًّا، وأ.د. محمد شحاتة إبراهيم مناقشًا خارجيًّا الأستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر.