بقلم : محمد أمين
كان الوزير صفوت الشريف، وزير الإعلام فى وقت من الأوقات، يمكنه تنويم البيت المصرى بعد مشاهدة المسلسل اليومى ونشرة الأخبار.. كان عندنا أيامها قناتان فى التليفزيون.. الأولى والثانية، وبعدها بسنوات أطلق القناة الثالثة، ثم دخلنا عصر السماوات المفتوحة، وعرفنا السهر حتى ساعات الفجر نقلب القنوات!.
الآن، أصبح وزير التعليم يمكنه شغل البيت المصرى عندما يعلن انتظام الدراسة فى الفصل الدراسى الثانى، وساعتها لن تجد بيتًا يسهر بعد التاسعة مساء، ولن تجد مَن يتابع المسلسلات أو النشرة.. فالبيوت تسهر فى المذاكرة وحسابات مصاريف المدارس وطباعة البوكليت!.
كل فترة لها وزيرها الذى يشغل الرأى العام.. فى فترة من الفترات كان هناك وزير غير وزيرى الإعلام والتعليم، هو وزير التموين.. وكانت كل التصريحات التى يطلقها تصلح مانشيتات لأنها تتعلق برغيف الخبز أو أسعار السكر والزيت والدقيق.. وكنت أكتب هذه المانشيتات فى الصفحة الأولى، وكان الوزير يغضب مما ننشره.. ثم يضطر لعقد مؤتمر صحفى لتوضيح أصل الحكاية فيما ينشره الصحفيون!.
وأذكر أن وكيل أول الوزارة، فى أحد هذه المؤتمرات الصحفية، لمحنى، فطلب منى أن أغادر المؤتمر لأننى كنت السبب فى كل هذا العناء، ورأى أننى لا ينبغى أن أحضر!.. فقلت للسيد وكيل الوزارة: أنا عن نفسى لن أخرج حتى تستدعى الأمن وتخرجنى رسميًّا.. وتوجهت إلى مكتب الوزير جلال أبوالدهب، رحمه الله، وأخبرته بما حدث، فقال لسكرتيره: أطلب لى وكيل الوزارة، وجاء وكيل الوزارة، فوجدنى عنده، فشعر بالحرج والألم، فسأله الوزير: هل أنت طلبت من الأستاذ أن يغادر المؤتمر؟!، فقال: نعم.. فقال له: إزاى، إذا كان هو المقصود بأن نشرح له ونوضح لكل الصحفيين بالمرة، قوم طيِّب خاطره وبوس راسه.. فشكرت الوزير، واعتذرت عن رفض تقبيل رأسى، ودخلت المؤتمر مرفوع الرأس، وبعدها جاء الوزير يشرح للإعلام.. كانت هذه هى المرة التى عدلت فيها الوزارة عن زيادة الأسعار لأنه تم كشف السر، وقال الوزير كلمته الشهيرة: «لا مساس»!.
الآن نحن أمام طريقة مختلفة لوزير التعليم، هو أيضًا يقول: «لا مساس»، وحينما نذهب إلى المدارس نجد المصروفات زادت بنسبة 50%.. ويصرح بأن تسليم الكتب لا علاقة له بدفع المصروفات، فنجد أن العكس هو الصحيح لأنه تم ربط تسليم الكتب بدفع المصروفات، فيدور الناس فى الساقية، وتأخذهم الدوامة، فينامون بعد صلاة العشاء!.
للأسف، لم تعد الانفرادات تعرف طريقها إلى الصحف إلا نادرًا، خاصة بعد اختراع حكاية المتحدث الرسمى، الذى يصدر بيانًا ويتم توزيعه على الصحف، فتنشره جميعًا نقل مسطرة.. وغابت الانفرادات وغاب الاجتهاد بعد إغلاق كل الأبواب فى وجه الصحف والإعلام.. ولم يعد الوزير فى حاجة إلى عقد مؤتمرات صحفية للتصحيح أو التوضيح.. لأن الصحف تنشر بيان الوزارة كما أراده المتحدث الرسمى.. سواء فى التعليم أو الإعلام أو التموين أو غيرها من الوزارات والمؤسسات والهيئات!.