بقلم : محمد أمين
قطعًا، أنت لا تعرف على الأعرج، وقبل أن تحتار وترتبك وتتساءل ولا تصل إلى نتيجة، أقول: إن على الأعرج ليس سياسيًا كبيرًا ولا دبلوماسيًا عتيدًا وليس أحد رجال الأعمال من المليارديرات.. ولكنه رجل بسيط صاحب تجربة محدودة، من الآخر حرامى!.
كان يلعب دوره الفنان عبدالله فرغلى فى فيلم «المولد» مع الفنان عادل إمام، الذى كان يقوم بدور «بركات» فى فترة و«غريب» فى فترة أخرى.. لكن عم على الأعرج شعر فى لحظة أن الحياة استقرت له وابتسمت، فأحس بأنه يريد أن يكتب مذكراته ويترك للناس تجربته!.
قال لابنه عادل إمام فى لحظة سُكر أو لحظة تجلٍّ: «شوفلى صحفى يكتب ذكرياتى.. هو يكتب وأنا أملى عليه».. فسأله عادل إمام بما معناه: «وإيه تجربتك؟».. قال له: «أنا الذى طردت الإنجليز من مصر، هريتهم سرقة لحد ما قالوا حقنا برقابتنا، وخسرت ساقى فى هذه البطولات، ألا تستحق كتابة المذكرات؟!».
كنت أشاهد فيلم «المولد» وهو بالمناسبة من أفلام السينما التى لا تملّ من مشاهدتها، بطولة عادل إمام ويسرا وعبدالله فرغلى وأمينة رزق، استوقفتنى ذكريات أو مذكرات على الأعرج، وهنا سرحت بعيدًا عن الفيلم.. ودارت برأسى الأسئلة: هل يأتى يوم يكتب الحرامية فيه مذكراتهم؟.. هل غياب الدبلوماسيين والسياسيين يمكن أن يملأه اللصوص.. أم أن الحكاية كانت مجرد كوميديا والسلام؟!.
وبالمناسبة، فإن آخر مذكرات قرأتها كانت لرجل الأعمال منير غبور، وهو من الوزن الثقيل من رجال الأعمال الذين يمكن أن نطلق عليهم «رجال صناعة».. كتب مذكراته فى اللحظة الأخيرة قبل وفاته بأيام، بإيعاز من أصدقائه، ليسجل تجربته العملية.. وترك تجربته لهداية رجال الأعمال الشباب فى عالم صعب جدًا، وشرح كيف بدأ حياته العملية من بيع البسبوسة، وكيف تغير المسار من الطب إلى التجارة ثم الصناعة!.
منذ زمن بعيد، لم نقرأ مذكرات سياسيين بمعنى كلمة مذكرات، قد نكون قرأنا كتابات لا طعم لها، ولا تضيف شيئًا لما نعرفه.. وليس فيها من المذكرات أسرار مما يكشفها السياسيون فى الغرب، هم فى الغالب يخشون السلطة ويرتبطون بها بشعرة معاوية.. باختصار، ليس عندنا مَن يكتب أسرارًا مثل أسرار حرب العراق، أو أزمة الرهائن، أو أسرار سد النهضة أو أسرار ثورة 25 يناير!.
وختامًا، فقد عشنا فترة من أخصب الفترات التى كتب فيها خالد محيى الدين كتابه «الآن أتكلم».. وعشنا فترة مذكرات حرب أكتوبر التى كتبها سعد الدين الشاذلى، واختلف فيها مع السادات ومبارك.. ويبدو أن تداعيات هذه المذكرات هى التى أثرت فيما بعد على مسار الدبلوماسيين وعدد كبير من السياسيين، فلم يتركوا لنا شيئًا يفك ألغاز الحياة السياسية.. ويبدو أننا سنصل فى النهاية إلى مذكرات من نوعية مذكرات على الأعرج التى يكتبها تحت تأثير الخمر، بمعنى أى كلام يريح به نفسه ويحكى عن خرافات لا يعرفها أحد غيره!.
كتابة المذكرات لا تستقيم مع عقدة الخوف، ولا مع الذين يمسكون العصا من المنتصف!.