درس استقالة الوزيرة الأولى لأسكوتلندا

درس استقالة الوزيرة الأولى لأسكوتلندا

درس استقالة الوزيرة الأولى لأسكوتلندا

 العرب اليوم -

درس استقالة الوزيرة الأولى لأسكوتلندا

بقلم: عادل درويش

استقالة نيقولا ستيرجين، الوزيرة الأولى في أسكوتلندا، تستحق الدراسة، كظاهرة وقوع الزعيم الكاريزماتي أسيراً لآيديولوجيته وشعاراته التي نجحت مؤقتا في قيادة الجماهير (غالبا إلى هزائم في معارك افتعلها مع قوى خارجية) وتتحول الآيديولوجية إلى منزلق انتهائه سياسياً كحال أول سيدة تتولى منصب الوزير الأول والأطول بقاء فيه منذ إنشائه في 1999.
الظاهرة الأخرى الملازمة هي الحركات السياسية ذات الهدف الواحد، التي تنتهي صلاحيتها الانتخابية بتحقيقه.
مثلا حركات «التحرر الوطني»، خاصةً المؤدلجة والتي اعتمدت العنف كوسيلة لتحقيق هدفها، أو ما تسمي نفسها «مقاومة»، فبعد الاستقلال أو انتهاء «الاحتلال»، تحاول تبرير وجودها، (كما اختبرنا في مناطق يعرفها قراؤنا الأعزاء) إما بتحولها إلى قوى لقهر الأهالي وفرض الإتاوات على المواطنين، أو تفتعل صدامات عبر الحدود فتجلب أضراراً للبلاد.
الظاهرة في البلدان البرلمانية التي تبدل حكوماتها بالانتخابات الديمقراطية الحرة المفتوحة، أن الأحزاب ذات الآيديولوجية الواحدة الطاغية على برامجها السياسية، تنتهي مدة صلاحياتها الانتخابية بتحقيقها الهدف الذي رفعه زعيمها، أو عند وعي الناخب باستحالة تحقيقه. فمثلا حزب استقلال المملكة المتحدة تأسس في 1993 (بإعادة تسمية 1991 رابطة مناهضة الفيدرالية الأوروبية) لغاية محددة هي الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وبعد تصويت الأغلبية في 2016 وخروج بريطانيا من الاتحاد أصدر الحزب شهادة وفاته بتحقيق هدفه.
السيدة ستيرجين استقالت، بعد بلوغها أوج الشعبية قبل عامين، كي تستبق رفض الناخب و«تتجنب بهدلتها» سياسيا في صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة؛ فقد انتهت مدة صلاحية استراتيجية الآيديولوجية الواحدة لحزبها القومي الأسكوتلندي عند وعي لجنة التنظير السياسي فيه أن الناخب الأسكوتلندي لا يقتنع بإمكانية تحقيق «الاستقلال» كهدف كان وقود محرك الحزب لعقد كامل. فالحزب تحت قيادة ستيرجين ركز إمكانياته ونشاطه لتحقيق هدف «الاستقلال عن المملكة المتحدة»، وراهنت ستيرجين على خوض الانتخابات القادمة على تذكرة الاستقلال، بعكس استطلاعات الرأي (لا تزال كتصويت الأسكوتلنديين في استفتاء 2014، 55 في المائة مع الاتحاد، و45 في المائة مع الاستقلال). وتركيز الحزب بزعامتها على هوس الاستقلال لم يؤدِّ بستيرجين فقط إلى افتعال معارك مع الحكومة الاتحادية في لندن وبرلمان وستمنستر (القومي الأسكوتلندي هو ثالث أكبر حزب فيه) بل أيضاً إلى إهمال الحاجات الأساسية للمواطنين الأسكوتلنديين الذين تمثلهم حكومتها في برلمان هووليروود في أدنبرة.
اختلاف مانشيتات الصفحات الأولى بين طبعات أسكوتلندا، وطبعات إنجلترا في الصحف القومية يلخص مدى إخفاق سياسات الحزب بزعامة ستيرجين؛ فبينما كانت محايدة وأشادت بقدرة الزعيمة الأسكوتلندية على حشد الجماهير ونجاحها في زيادة المقاعد في الانتخابات المتتالية في الطبعات الأسكوتلندية – حتى في صحف يمين الوسط المعارضة دائما للدعوات الديماغوجية للقوميين الأسكوتلنديين - فإن الطبعات في إنجلترا وإمارة ويلز وآيرلندا الشمالية كانت مغتبطة برحيلها. والصحف الموالية للعمال كانت أكثر اغتباطا، فالعمال كانوا دائما الحزب الأكبر في برلمان هووليروود، والدوائر الأسكوتلندية الممثلة في وستمنستر، حتى صعود القومي الأسكوتلندي في العقد الأخير؛ وقدرت صحيفتا «الديلي ميرور» و«الغارديان» مثلا أنه بعد أفول نجم ستيرجين ستكون هناك فرصة أكبر للعمال باقتناص كثير من المقاعد الأسكوتلندية. ففي البرلمانين الأول والثاني (1999 - 2003 و2003 - 2007) كانت أغلبية المقاعد للعمال وكونوا أربع حكومات برئاسة عمالية (بائتلاف العمال والديمقراطيين الأحرار).
السيدة ستيرجين (مواليد 1970)، درست المحاماة (كحال معظم الساسة) والتحقت بالحزب القومي الأسكوتلندي في صغرها، ومهووسة باستقلال أسكوتلندا - بمنظور شوفيني، وليس مجرد الاستقلال؛ إذ تعد بإعادة أسكوتلندا «المستقلة» تحت سيطرة بروكسل. منذ انتخابها للبرلمان الأسكوتلندي في 2007 صعدت في صفوف الحزب، وتولت مناصب وزارية، آخرها نائب زعيم الحزب، لتخلف ألكسندر سالمون (تزعمه 2004 - 2014) إثر هزيمة حملته في استفتاء الاستقلال.
جاء البرلمان الأسكوتلندي الثالث (2007 - 2011) معلقا، وأصبح سالمون الوزير الأول (صاحب أكبر كتلة مقاعد - 47 من جملة 129) لحكومة أقلية، لكن الحزب حقق نجاحا كبيرا في انتخابات 2011 فائزا بـ69 مقعدا في البرلمان الرابع، انخفضت، بزعامة ستيرجين، إلى 63 مقعدا في البرلمان الخامس (2016 - 2021) مما اضطرها للتحالف مع الخضر (كان لهم ستة مقاعد). وفي البرلمان الحالي (بعد انتخابات 2021) حيث لستيرجين 64 مقعدا تعتمد على أصوات الخضر بسبعة مقاعد، وبدورهم حزب آيديولوجي بعيد عن واقع الطبقات العمالية والفقيرة، والصيادين الذين يرفضون العودة للاتحاد الأوروبي (بسبب لوائح وقوانين أضرت بهم اقتصادياً) وسياسات الطاقة الخضراء التي أدت إلى البطالة خاصةً في مناطق استخراج البترول والغاز (المحافظون ثاني أكبر حزب بـ31 مقعدا، ومع العمال يشكلون كتلة من 53 دائرة انتخابية ضد آيديولوجية وسياسات القوميين والخضر والاتحاد الأوروبي).
ضيق نظرة ستيرجين بتركيزها على آيديولوجية شوفينية أوقعها في الخطأ التاريخي للزعماء الآيديولوجيين، بالبحث عن معركة مع من تراهم «الخصم» في برلمان وستمنستر، وانساقت مع الخضر في تمرير قوانين آيديولوجية بعيدة عن هموم الأغلبية وحاجات البسطاء، وآخرها قانون خيار المتحولين جنسيا، الذي يتيح لأي شخص (فوق السادسة عشرة رغم أن السن القانونية 18 عاماً) أن يختار تغيير جنسه على الورق من رجل إلى امرأة والعكس، بلا إجراءات الفحص الطبي، أو جراحة أو علاج بالأدوية. كثيرون، بمن فيهم سابقها في الزعامة سالمون، الذي انشق وكون حزب «ألبا» القومي المنافس، رأوا أن القانون لا يفيد سوى بضع عشرات، وأصدر لافتعال أزمة سياسية مع الحكومة الاتحادية في وستمنستر التي استخدمت الحق الدستوري القانوني لرفضه، لمناقضته قانون المساواة العامة، إذ يعرض النساء للخطر، إذا ما ادعى رجل أنه امرأة ليستخدم مرافق وأماكن مخصصة للنساء فقط، فصاحت ستيرجين أن وستمنستر تعرقل ديمقراطية برلمان أسكوتلندا. جربتها كبروفة معركة قادمة بإعلانها أنها ستمرر قانون استفتاء الاستقلال في البرلمان السابع رغم مخالفته الدستورية لبنود الحكم الذاتي لأسكوتلندا مما سيضطر وستمنستر لرفضه، فتخوض معركة «الاستقلال التام»، واكتشفت أن 55 في المائة من الناخبين يرفضون مخاطرة «أو الموت الزؤام»، مما سيحرمها من الأغلبية المطلوبة في برلمان 2026.
زعيمة سجينة آيديولوجيتها افتعلت معركة رفضت الجماهير خوضها، بعد كشفهم انتهاء مدة صلاحيتها للقيادة!

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

درس استقالة الوزيرة الأولى لأسكوتلندا درس استقالة الوزيرة الأولى لأسكوتلندا



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab