«فهرنهايت 451» والذكاء الصناعي

«فهرنهايت 451» والذكاء الصناعي

«فهرنهايت 451» والذكاء الصناعي

 العرب اليوم -

«فهرنهايت 451» والذكاء الصناعي

بقلم: عادل درويش

خدمة إيلون ماسك الجديدة، بتوظيف الذكاء الصناعي مدعياً مساعدة التلاميذ في إنجاز الواجب المنزلي في زمن قياسي، أثارت قلق خبراء التعليم.
الخدمة «ChatGpT» كانت محل تجارب لنحو عامين وانطلقت الصيف الماضي، وأحياناً ما أجربها بنفسي، فلماذا القلق متعدد الأسباب؟
هل استعانة الطلبة بإجابات جاهزة كالغش في الامتحان؟
اللوغاريتمات (العمليات الحسابية لتشغيل البرنامج) ترتب مفردات السؤال في معادلة رياضية تتناقلها محركات البحث، وفي ثوانٍ يصوغ الذكاء الصناعي النتائج في تقرير مركّز.
معلمو المدارس في بريطانيا (كمدارس وزارة المعارف المصرية حتى خمسينات القرن الماضي)، ينصحون أهالي التلاميذ بعدم الإجابة عن أسئلة الواجب المنزلي، وقصر مساعدتهم على الشرح اللغوي.
النشاط المعارفي المكمل للمناهج الدراسية (ترجمة المعنى لا الحرفية لمفهوم extracurricular activity)، كالوجب المنزلي، أو إعداد موضوع إنشاء (تقرير) استعانة بكتب تستعار من المكتبة العامة، أو العودة إلى المراجع لإعداد مسرحية آخر السنة من الأدب العالمي، أو اصطحاب معلمة الموسيقى الفصل إلى المسرح أو الأوبرا، أو عروض الموسيقى الكلاسيكية، كل ذلك له أهداف حددها خبراء التعليم. بعد زيارات النشاط المكمل للمنهج كان معلمونا في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، يكلفوننا بصياغة موضوع إنشاء، لقراءته في الفصل، ومناقشته. وبجانب التدريب على البحث في المكتبات العامة، واستكشاف ما بين صفحات الكتب، كانت هناك ممارسة في الإلقاء العلني والمناقشة مع الآخرين. وأيضاً أهداف تعليمية أخرى، «كالتفكير النقدي» (توظيف القدرات الذهنية في منهج تحليلي لتشغيل العقل في تقدير ومقارنة المعلومات التي وفرها الموقف مع الحقائق العلمية، واستخلاص التوافقات والتناقضات بينها أو الخروج باستنتاج جديد).
فالواجب المنزلي للتلاميذ أصلاً ليس لمجرد شغل وقته بكتابة يصححها المعلم بالقلم الأحمر، وإنما تدريب ذهني على استقصاء منهجي للمعلومات لصقل غريزة المخ للاستكشاف المعرفي.
وما زلت أجادل بأن تغيير بعض البلدان «وزارة المعارف» (التي حظرت ما يعرف اليوم بـ«الدروس الخصوصية» مكتفية بالنشاط المعارفي المكمل للمنهج)، إلى «التربية والتعليم» تجاوز تغيير اسم الوزارة إلى المفهوم والأهداف من دون تقدم في مستوى التعليم، بل تراجع في أماكن متعددة.
فمفهوم «المعارف» يعود إلى نظرية المعرفة (الإيبستومولوجيا)، والتفكير النقدي جزء أساسي من اكتساب المعرفة، و«التعليم» وفق المفهوم ليس غاية، وإنما سلسلة ممارسات «Process» تمتد لسنوات للسعي نحو الحصول على المعرفة كأسلوب حياة أفضل.
في بريطانيا مثلاً اسمها وزارة المعارف «Department FOR Education» ولو كان حرف الربط (of) بدلاً من (FOR) لكانت «وزارة التعليم»، فالمهمة هي تعلم النشاط نحو أو باتجاه أو من أجل المعرفة.
وعودة للسؤال عن خدمة الملياردير ماسك، حتى وإن لم تكن غشاً، فهل تدعم الغرض الذي من أجله يكلف المعلم التلاميذ بأداء الواجب المدرسي؟
توقعي تجاوز استخدامها للواجب المدرسي والتقارير إلى بحث لطلاب المراحل المختلفة، بما فيها الجامعي.
وقد يجادل البعض بأن «مصادر المعلومات» التي يوجه الذكاء الصناعي محركات البحث نحوها للإجابة عن أسئلة التلميذ، هي المقابل المعاصر للمكتبة العامة التي كان جيلنا يستعير منها الكتب لإعداد الواجب المنزلي أو ما شابه، فلماذا المخاوف والضجة، من تطور التعليم والبحث عن المعلومات لتوظيف تكنولوجيا العصر؟
القلق يذهب أبعد من تفضيل جيلي للكتب، ليس فقط لتدوين ملاحظاتي بالقلم الرصاص على الهوامش، لأننا نقرأ بما تدربت عليه أذهاننا في دروس التفكير النقدي والبحث المقارن في منتصف القرن العشرين.
الفرق أن في المكتبات المدرسية والعامة، أو في محلات الكتب التجارية، أمام الباحث (الدارس وربما بتوجيه المعلم أو أمين المكتبة) كثير من الكتب المتخصصة، ومن مدارس فكرية، والتنوع مهم للتدريب على البحث ومقارنة المعلومات من الفلسفات المختلفة وبلغات متعددة.
دروس جيلنا تضمنت اللاتينية بجانب الفرنسية والإنجليزية كلغات أساسية في المنهج، وكرر المعلمون تذكيرنا بأنها «ستنفعنا في المستقبل أكثر مما نتصور»، وما زلت أقف تبجيلاً لحكمة معلمينا.
وحتى أكثر مبرمجي الذكاء الصناعي عبقرية في الكودينغ (لغة برمجة الكومبيوتر) من الصعب تصور أن يكونوا على دراية بكامل تنوع ما نشرته المدارس المختلفة في العلوم والتخصصات، التي تصل إلى مئات الآلاف. وما الإرشادات والفهارس (ومن وضعها) والخطوات التي اتبعها المبرمجون في انتقائيتهم لإجابات كبرشامة الدواء بلغة جيل تغريدة «تويتر»!
تجربتي لبرنامج ماسك ضاعفت من تساؤلاتي. فإجابة الذكاء الصناعي عن مؤلفاتي وكتبي، لخصت معلومات الناشرين الأميركيين، رغم أنها نشرت في إنجلترا أولاً. كما أخطأ المبرمجون في تاريخ النشر ـ بأكثر من عشر سنوات في بعض الحالات - من أول إصدار يصادفه محرك البحث وليس الإصدار الأول الفعلي.
ويذكر القراء مقالنا بشأن إنتاج «نتفليكس» وأمثالها لدراما تسجيلية لأحداث كنا شهوداً عليها، وزيفتها بدرجات متفاوتة. أو نشر البعض مذكرات يكشف فيها، من طرف واحد، ما يدعيه كأسرار عن مؤسسات عريقة ليست لديها إمكانية تصحيح المعلومات، أو نفتقر كمعلقين وصحافيين لوسائل التحقق من صحتها، أو ما إذا كانت ادعاءات للترويج.
وأغلب الاحتمالات أن محركات البحث التي ستستخدمها لوغاريتمات المبرمجين ستوجه برنامج الكتابة اللغوي للذكاء الصناعي إلى المواقع الأكثر زيارة في فترة البحث، أو الكتاب الأكثر مبيعاً وقتها؟
في أوج المكارثية (1950 - 1957) وهي تحقيقات السيناتور جوزيف مكارثي (1908 - 1957) فيما وصفه بنشاط معادٍ لأميركا، وتهديدها الفنانين والكتاب وحرية المبدعين في أميركا، وهروب الكثيرين إلى أوروبا ما أنزل المستوى الفني، نشر راي برادبري (1920 - 2012) في 1953 روايته الديستوبية «فهرنهايت 451» (درجة احتراق الورق) عن نظام شمولي يحرق الكتب والمكتبات الخاصة، ومصادر المعلومات والتعليم الوحيدة للمواطنين هي التلفزيون الموجه من النظام. وبالتدريج تندثر المعرفة باستثناء الكلاسيكيات التي يحفظ نص كل منها عن ظهر قلب شخص في مجموعة عزلت نفسها عن مؤسسات الدولة.
وللمتفائلين بظهور مجموعة كرواية «فهرنهايت 451»، ما الكتب التي ستنشر في المستقبل؟
برامج الذكاء الصناعي يمكنها اليوم صياغة أعمال أدبية كالروايات وقصائد الشعر الموزون مستقلة عن الإنسان.
ماذا لو كان واضعو الإرشادات لمصممي برامج التأليف الأدبى يرون التاريخ كـ«نتفليكس» أو الأخطر بتعريف مكارثي الشمولية «للمصلحة الوطنية» بآيديولوجيا تستبعد ما يخالفها؟

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فهرنهايت 451» والذكاء الصناعي «فهرنهايت 451» والذكاء الصناعي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab