القوانين قبل الديمقراطية

القوانين قبل الديمقراطية؟

القوانين قبل الديمقراطية؟

 العرب اليوم -

القوانين قبل الديمقراطية

بقلم: عادل درويش

لأيهما الأسبقية: القوانين الضرورية لضبط المجتمع؟ أم الديمقراطية؟ والأخيرة تتحقق بإصلاحات لتأسيس نظام ليبرالي برلماني تعددي لتداول السلطة بانتخابات حرة، وماذا إذ أتت الانتخابات بما يجهز على الديمقراطية؟

     

 

             

 

أسئلة لا تقتصر على ثقافة جغرافية، أو حتى زمن ما، لكنها تشغل بال الإصلاحيين تقريباً في كل أنحاء العالم. في بلدان وضعتها ظروفها التاريخية ضمن «الدول النامية» - وقد لا تكون فقيرة اقتصادياً أو في الموارد، لكنها مرت بظروف خارجية وداخلية تجعلها لم تلحق بركب البلدان المعروفة بديمقراطية أكثر تقدماً، أو مرت بظروف تراجعت فيها الديمقراطية والحداثة والليبرالية عقوداً كاملة إلى الوراء. أيضاً السؤال يطرح نفسه في البلدان التي حققت أطول الأشواط نجاحاً، وتعرف بأم الديمقراطية وفيها أم البرلمانات كبريطانيا. بديهياً تسبق القوانين الديمقراطية، فبلا قانون لا يمكن حماية العمليات الديمقراطية من انتخابات، ومن صحافة حرة، والفرد والأقليات من تسلط الأغلبية؛ وبجانب ذلك فإن الأدلة التاريخية والظرفية على مر العصور تثبت صحة المقولة (ألمانيا كانت ديمقراطية ناضجة، والانتخابات الحرة أوصلت النازيين للحكم في الثلاثينات، فلم توجد قوانين تحدد مواصفات المرشحين وملائمة آيديولوجيتهم لسلامة المجتمع). لكن العلاقة بين نضج الأمم والمجتمعات، وبين القوانين والديمقراطية، لا تزال عملية ديناميكية تتطور وتتطلب بدورها استمرارية التعديلات بتغير الظروف، وربما غياب الدستور الثابت المكتوب يجعل إجرائيات التعديل والتطور أكثر سهولة.

السؤال الآخر الذي لا يقل أهمية: هل تزايد القوانين يتطور إلى تناقضها، فتؤدي إلى نتائج عكسية؟ وهل تتغير نظرة المواطنين في احترامهم ما يرونه قوانين «غير عادلة» عندما تضر بمصالحهم، وبالتالي يخرقون القوانين نفسها، ويرفضون تطبيقها، فيفقد القانون شرعيته العملية في المجتمع رغم صلاحيته دستورياً؟

في ثلاثة أشهر فقط، تم تخريب أو سرقة ما يقرب من أربعمائة كاميرا مراقبة مرور وأجهزة إلكترونية في ضواحي لندن. ليس للمسروقات قيمة مادية تذكر من بيعها أو الاستفادة منها، وهي جريمة جنائية تعاقب عليها القوانين بالغرامة أو السجن (السرقة، إتلاف ممتلكات عامة، تعريض مستخدمي الطريق للخطر). وبعض سارقيها يستعرضونها في فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي متباهين بنشاطهم، ويحثون سكان العاصمة البريطانية على تقليدهم مقدمين الإرشادات لتفكيك وإتلاف الكاميرات والأجهزة المملوكة لمصلحة المواصلات والتنقل التابعة لمكتب عمدة لندن. السرقات كانت في الأشهر، التي سبقت بدء العمل (الثلاثاء الماضي) بالقانون الإداري، الذي أصدره عمدة لندن، صديق خان، بتوسيع رقعة فرض ضريبة نحو ستة عشر دولاراً (يسميها رسم الهواء النظيف) على كل سيارة عمرها أقدم من سبع سنوات تسير في شوارع الضواحي الخارجية للعاصمة البريطانية. الحقيقة التي يخفيها العمدة، هو أن هدف القانون الإداري تحصيل الرسوم، فقد أثبت بحث أكاديمي طبي أن مساهمة الإجراءات في تنقية الهواء في الأحياء التي طبق فيها لا يكاد يذكر بينما حقق دخلاً تجاوز 407 ملايين دولار.

الملاحظة الأخرى تزايد عدد كبار السن المتقاعدين، وهم أكثر فئات المجتمع البريطاني احتراماً للقوانين والالتزام بها، الذين يخرقون قوانين البلدية أو يلتفون حولها في مجال نظافة الشوارع وجمع القمامة وتدوير مواد التغليف والتعبئة. هذه القوانين التي ازدادت تعقيداً مع هستيريا السياسة الخضراء واعتبار الإنسان وحده مسؤولاً عن التغيير المناخي، تلزم البيوت بإخراج صناديق ضخمة على عجلات تجمع منها القمامة كل أسبوعين، وأخرى خضراء لمواد التعبئة والتغليف والزجاجات تجمع أسبوعياً. يخرج السكان الصناديق إلى الرصيف، عمال البلدية لا يكلفون أنفسهم عناء إعادتها إلى مكانها، ويتركونها على الرصيف، ويضطر السكان إلى البحث عنها بطول الطريق وإعادتها إلى حديقة الدار الأمامية. أحد جيراني (وهو نموذج لمئات، وربما آلاف مثله) تجاوز الثمانين ولا يقدر على دفع وجر الصناديق، فاستغنى عنهم. بدأ يجمع مخلفات التدوير في أكياس بلاستيك شفافة (ترسلها البلدية مجاناً عند الطلب) ويضعها على الرصيف يوم الجمع. أما القمامة المنزلية - فيضعها يومياً في كيس صغير يحمله في نزهته بعد العشاء، ويلقي به في سلة مهملات عند محطة باص قريبة - الرجل، كجيران مثله من كبار السن يحذون حذوه - يرتكبون مخالفة، إذ إن الصندوق مخصص فقط لمهملات ركاب المواصلات العامة أو السائرين في الطريق وليس للقمامة المنزلية. الجدير بالذكر أن الجيران المسنين هم أكثر سكان الحي نظافة، إذ لا يكتفون بتنميق وتنظيف حدائقهم الأمامية فحسب، بل يكنسون الرصيف أمام منازلهم صباحاً ومساءً حتى بعد مرور كناس البلدية، وتراهم ينحنون في الطريق لالتقاط غلاف حلوى ألقاها طفل على الرصيف؛ لكنهم ضاقوا ذرعاً بما يرونه قوانين ولوائح غير عادلة فقدت احترامها في نظرهم.

ورغم أن ملاحظاتي من إنجلترا، فإنها تصلح دروساً لكل مكان، فالقوانين تصدرها مجالس أو هيئات تشريعية، كالبرلمان والمجالس البلدية - وبالطبع المنتخبة ديمقراطياً تكتسب شرعية أقوى واحتراماً أكبر لدى المواطنين. والغرض من القوانين حماية المجتمع وتنظيم إدارته؛ لكن في هذه النماذج أدى تطبيق قوانين غير عادلة أو لا منطقية إلى نتائج عكسية، وبالتالي فقدت تأثيرها بخسارة القبول الشعبي العام، وهو ضرورة أساسية لملائمة القانون وصلاحيته كدعامة للديمقراطية والاستقلال.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القوانين قبل الديمقراطية القوانين قبل الديمقراطية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab