التقاليد الأكاديمية تهزم الحكومة البريطانية

التقاليد الأكاديمية تهزم الحكومة البريطانية

التقاليد الأكاديمية تهزم الحكومة البريطانية

 العرب اليوم -

التقاليد الأكاديمية تهزم الحكومة البريطانية

بقلم: عادل درويش

 

تراجع الحكومات عن قراراتها يذكّر الرأي العام بأن العودة لفضيلة الحق بإلغاء قرار حديث الصدور تسلط الضوء على سوء تقدير الحكومة، وتظهرها مترددة تنقصها الخبرة.

ستة أشهر فقط بعد قرار حكومة بريطانيا العمالية بزعامة السير كير ستارمر تجميد تنفيذ قانون التعليم العالي لعام 2023، لتتراجع وتقرر وزيرة المعارف، بريجيت فيليبسون، إعادة تطبيق القانون الذي عُرف أيضاً بحماية حرية التعبير والبحث في الجامعات.

القانون صدر في عهد حكومة ريشي سوناك (2022-2024) استجابة لدعوات الأكاديميين بحماية حرية البحث العلمي وجماعات الدفاع عن حرية التعبير والمناظرات في الحرم الجامعي، بعد تزايد ظاهرة «اللامنبرة» بحرمان محاضرين وكتّاب من منبر التعبير عن أفكارهم. وكانت الظاهرة قد تنامت وتوسعت في الاتحادات الطلابية التي وقعت تحت نفوذ تيارات يسارية وحملات فيما عُرف بـ«الحرب الثقافية». بدأت بضغوط ومظاهرات الطلاب الذين يحتجون على سياسات، أو يناصرون قضايا معظمها ليست له علاقة مباشرة بالجامعة أو المعهد أو المناهج نفسها، أو لأن المدعو لإلقاء المحاضرة قد عبر في الماضي عن رأي على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الإعلام، يدعي المحتجون أنه مناقض للصوابية السياسية أو للأفكار والآيديولوجيات التي يناصرونها، وكثيراً ما يضغطون على إدارة الجامعة، أو اللجنة التي وجهت الدعوة، ويصرون على سحب الدعوة. وأحياناً تجاوز المحتجون اللوائح ومنعوا الضيوف المتحدثين دقائق قبل بدء المحاضرة، وتكرر استدعاء إدارات الجامعات للشرطة لفض الاحتجاج، أو حماية المتحدث، أو التفريق بين المؤيدين والمعارضين.

جماعات الاعتراض والضغط من اليسار، والتي أصبحت صاحبة الصوت الأعلى اجتماعياً وإعلامياً، بدأت بما يمكن تسميته بـ«حق يراد به باطل»، وهو مناصرة أقليات وجماعات كانت مضطهدة تاريخياً، ورفض ما يعتبره البعض «إهانة»، سواء للعرق الإثني أو لمعتقد ثقافي أو ديني. ويذكر القراء أن ذلك أعقبته حملة ضغط لمنع دراسة ومناقشة فصول من تاريخ البلاد بحجة أنها حقبة استعمار، مطالبة بمنع كتب أو إعادة تحريرها، ومقاطعة أكاديميين ومحاضراتهم. كبار الأكاديميين الكلاسيكيين، بخاصة في مجال التاريخ والفلسفة، أبدوا انزعاجهم من تنامي الظاهرة؛ ففترة الدراسة الجامعية هي المرحلة التي تتعلم فيها الأجيال الاطلاع على مجالات المعرفة والتعامل مع الجديد من أفكار ونظريات ومعلومات تناقض وتخالف معتقداتهم وإطارهم الثقافي الذي شبّوا عليه.

المتخصصون جادلوا بأن تجربة تفتيح الأذهان والتعرف إلى غير المألوف لا تقتصر فقط على قاعات المحاضرات أو في المكتبة، بل في الحرم الجامعي بكافة أبعاده الجغرافية والاجتماعية والثقافية من جمعيات وأنشطة ودعوات لمفكرين وشخصيات دولية ومبدعين من خارج الجامعة، لإلقاء المحاضرات وإثارة الجدل مثل مناظرة اتحاد طلاب جامعة أكسفورد العريقة. التقليد بدأ في عام 1823 كجدل حول قضية معاصرة بين مؤيد ومعارض. ومن الذين شاركوا عبر السنوات: الدالاي لاما الرابع عشر، والرؤساء الأميركيون الثالث عشر ريتشارد نيكسون، والـ29 جيمي كارتر، والـ42 بيل كلينتون، والزعيم البريطاني الأسبق إدوارد هيث، وعلماء الفيزياء التاريخيون كصاحب نظرية النسبية ألبرت أينشتاين، وبروفيسور نظرية أصل الزمن ستيفن هوكينغ. المناظرة عبر الأجيال تناولت قضايا مثيرة للجدل مع زعماء اعتُبروا متطرفين في مجتمعاتهم مثل زعيم حركة الحقوق المدنية الأميركية الأسود المسلم مالكوم إكس في 1964، ليجادل بأن «التطرف في الدفاع عن الحرية ليس خطيئة». والعديد من اتحادات الجامعات تتخذ من المناظرة نموذجاً تحتذي به، لكنها بدأت تواجه تحدي تيارات الإلغاء واللامنبرة في الحرب الثقافية.

حكومة المحافظين الأخيرة (2019-2023) ونواب برلمانيون استجابوا لنداءات المتخصصين والأكاديميين، بخاصة فيما يتعلق بالقلق من إعادة صياغة أحداث التاريخ. وبعد جلسات استماع وبحث صيغ قانون التعليم العالي 2023 الذي يلزم إدارات الجامعات والمعاهد العليا والاتحادات الطلابية بضرورة حماية حرية التعبير والمناقشة والبحث العلمي والأكاديمي، من أي تهديد باعتراضها. حكومة العمال، من منطلق آيديولوجي، لم تأخذ في الاعتبار الدراسات والمناقشات التي سبقت الإعداد لصياغة القانون وأوقفت تنفيذه، لكن الأربعاء هذا الأسبوع تراجعت وزيرة المعارف فيليبسون عن قرارها السابق أمام مجلس العموم، وقالت للنواب إن «حرية البحث الأكاديمي وحرية التعبير في الجامعات أكثر أهمية من رغبة بعض الطلاب في حجب ما يعتبرونه إساءة إلى معتقداتهم وثقافتهم». أهي فضيلة الرجوع للحق، أم اللحاق بعالم رئاسة دونالد ترمب الثانية، وإيلون ماسك على منصة «إكس»، الذي دفع مارك زوكربيرغ إلى إلغاء لجنة الرقابة على «فيسبوك»؟

arabstoday

GMT 02:34 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

شبابيكي

GMT 02:29 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

المنطقة وترمب

GMT 02:27 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

لبنان: إعادة الإعمار السياسيّ

GMT 02:25 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

كُلّ عَقْدٍ يُفتنون مرّة أو مرّتين!

GMT 02:22 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

«مرجل المنطقة» وانقلاب هرم المعرفة

GMT 02:20 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

حكومة لبنان الجديدة بين مخاطر المكابرة وفرص التوافق

GMT 02:17 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

غرينلاند... جزيرة في انتظار قرار

GMT 02:12 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

احتفالات الخلاص

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقاليد الأكاديمية تهزم الحكومة البريطانية التقاليد الأكاديمية تهزم الحكومة البريطانية



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 09:54 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

أحمد السقا يكشف سبب تقديم "العتاولة 2"
 العرب اليوم - أحمد السقا يكشف سبب تقديم "العتاولة 2"

GMT 02:14 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

التقاليد الأكاديمية تهزم الحكومة البريطانية

GMT 14:03 2025 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

كريستال بالاس الإنجليزي يتعاقد مع رومان إيسي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab