من قارئ إلى «سيدي المحرر»

من قارئ إلى «سيدي المحرر»

من قارئ إلى «سيدي المحرر»

 العرب اليوم -

من قارئ إلى «سيدي المحرر»

بقلم: عادل درويش

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ملوني نشرت مع نظيرها البريطاني ريشي سوناك، في رسالة إلى المحرر (بريد القراء) في «التايمز» العريقة (تأسست 1785)، انتقاداً لسياسات الهجرة الأوروبية كتهديد «للدور التاريخي المتميز لكل من المملكة المتحدة وإيطاليا كملاذين آمنين للاجئين». وتساءلا؛ كيف يمكن مساعدة لاجئين حقيقيين مع تناقص الإمكانات وإهدارها؟ فبريطانيا مثلاً تنفق 10 ملايين دولار يومياً على فنادق لإقامة القادمين بالقوارب، بينما يصل عشرات أضعافهم إلى الشواطئ الأوروبية في إيطاليا، وإسبانيا، واليونان. وكانت إيطاليا وبريطانيا، بجانب هولندا وفرنسا، تطالب بإجراءات لمنع قوارب الهجرة غير الشرعية والتعامل بحزم مع عصابات تهريب البشر. أما اليونان، والمجر، وبولندا، والنمسا، وسلوفاكيا، والتشيك فأكثر البلدان قلقاً.

ملوني وسوناك مستاءان من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز لرفضه إدراج الهجرة غير الشرعية على أجندة قمة الخميس الماضي في غرناطة للـ«إيبك» (التجمع السياسي الأوروبي European Political Community)، الذي تأسس العام الماضي بمبادرة الزعيم الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويشبه تركيبة قمة السبعة، وقمة العشرين، بتكوينه من زعماء البلدان الأوروبية أو امتدادها الجغرافي (باستثناء الفاتيكان، وبيلاروس، وكازاخستان) كتركيا، وأذربيجان، وأرمينيا، وجورجيا، ورؤساء منظمات ومفوضيات الاتحاد الأوروبي المختلفة.

المستر سوناك، والسنيورة ملوني قالا في لهجة حاسمة إن على الاتحاد الأوروبي «أن يفهم أن الوقت حرج، ولا بد من اتخاذ إجراءات عملية الآن، وليس غداً»، وأضافا أن «الوسيلة الأولى لإعادة كسب ثقة الشعبين البريطاني والإيطالي هي إيقاف موجات الهجرة غير الشرعية المستمرة، ليس داخل حدود البلدين فقط، بل بالتعاون الأوروبي وعلى المستوى الدولي».

خلفيات وتوقيت الرسالة إلى محرر «التايمز»، وردود الفعل على نشرها، في اعتقادي، أكثر أهمية من الخبر نفسه. فالخطاب نشر أمس الأول (الجمعة) عقب انتهاء قمة «إيبك» وبداية قمة الاتحاد الأوروبي، وإسبانيا رئيس الدورة الحالية للاتحاد، وزعيما بولندا والمجر يرفضان فرض المفوضية الأوروبية «كوتا» من المهاجرين (تسميهم المفوضية لاجئين أو طالبي اللجوء رغم غياب أدلة قانونية ومقنعة بأنهم فعلاً هاربين من اضطهاد أو ملاحقة). وقرارات القمم الأوروبية بالإجماع، وليس الأغلبية، أي من الصعب تنفيذ سياسات ملزمة إذا قرر بلد أو أكثر استخدام فيتو على القرار.

ردود الفعل لرسالة «التايمز»، من المعلقين، والمنصات الصحافية والشبكات، أثارت الجدل، خاصة أنها تتزامن مع حملة قوى اليسار الليبرالية والاتحاد الأوروبي ضد وزيرة الداخلية البريطانية سويلا بريفرمان لمطالبتها بإعادة النظر في تعريف اللاجئين واتفاقيات اللجوء الموقعة قبل 70 عاماً، ووصفها الهجرة غير الشرعية بطوفان يهدد أوروبا.

التحالف أعلاه وصحف اليسار بريفرمان، والزعيمة الإيطالية «اليمين المتطرف»، وصحافة الوسط ويمين الوسط، يرون في رسالة الزعيمين، ومطالب وزيرة الداخلية البريطانية، تعبيراً عن عدم ملائمة سياسة الاتحاد الأوروبي، التي تنفق الملايين على وكالات ومؤسسات التعامل مع المهاجرين، وليس عما يجول ببال الأغلبية الصامتة فقط، بدلاً من سياسة موحدة، مثلاً كإجبار منشآت صناعة قوارب المطاط على تسجيلها، أو دعم قوات بحرية لمحاصرة نشاط المهربين.

بعض ناشطات الحركة النسائية (الأقلية لا الأغلبية) والمهتمون بما يسمونه «قيم الليبرالية والديموقراطية كأساس للثقافة الأوروبية» يشيرون إلى أن الغالبية الساحقة من المهاجرين وطالبي اللجوء شباب من الذكور، ويحذرون (بمفردات أكثر حذراً من الوزيرة البريطانية) من أن النساء الأوروبيات سيكنّ الأكثر تعرضاً للتهديد بحكم عدم التوازن الديموغرافي، وتهديد «قيم الثقافة الأوروبية الليبرالية».

المفارقة أن نشر رسالة ملوني وسوناك في «التايمز» هي في صميم القيم التي يهددها فيضان المهاجرين من ثقافات مختلفة، كثيرها مناقض لهذه القيم أو يرفضها.

وقد يتساءل البعض؛ كيف لا يستطيع رئيس حكومة منتخبة من الأغلبية نشر ما يريد في الصحف؟

السلطة الرابعة هنا مستقلة، وممولة من قارئها، لا من الدولة. كان بإمكان رئيس الوزراء إعطاء مقابلة خاصة لـ«التايمز»، لكن بتقاليد الصحافة الحرة، وقانونياً، لا يمتلك رئيس البلاد السلطة أو الصلاحية للتحكم في الطريقة التي ستظهر بها المقابلة عند النشر. ولذا، فالوسيلة الفضلى المتاحة أن يتعامل الزعيمان، البريطاني والإيطالية، كمجرد قارئين عاديين، ما يمنحهما حرية النشر بلا تدخل من المحرر.

خطابات القراء تقليد قديم لأكثر من قرنين، وكثير من المؤرخين والباحثين الأكاديميين يعود إلى صفحة رسائل القراء في أرشيف الصحف، سواء القومية أو المحلية، لمعرفة صورة أكثر دقة عن أسلوب الحياة والظواهر الاجتماعية وحياة المواطنين وهمومهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. فخطابات الناس العاديين، التي تبدأ بـ«سيدي المحرر» تكون أكثر دقة في التعبير عن الحياة وتفاصيل كثيرة، بشكل أفضل وأصدق من المقالات المنشورة، التي قد تسقط التفاصيل لتوفير المساحة، أو حسب تفسير الصحافي للحدث والمعلومات المتاحة. كما أنها لا تنفصل عن مفاصل وأدوات ديمقراطية المواطن.

اختيار سوناك، على الأرجح لمخاطبة الناخب وكأنه واحد منهم كقارئ عادي يشكو مشكلاته وهمومه، يشير إلى حنكة سياسية ورغبة في خوض الحملة الانتخابية المقبلة بأسلوب جديد، هو التوجه للأغلبية الصامتة مباشرة ملتفاً حول حواجز قد يضعها «سيدي المحرر».

arabstoday

GMT 03:07 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود

GMT 03:02 2024 السبت ,18 أيار / مايو

نهاية مصارعة الثيران

GMT 02:59 2024 السبت ,18 أيار / مايو

هل كان المتنبي فظاً؟!

GMT 02:57 2024 السبت ,18 أيار / مايو

التكلفة الباهظة للفقر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من قارئ إلى «سيدي المحرر» من قارئ إلى «سيدي المحرر»



اختيارات النجمات العرب لأجمل التصاميم من نيكولا جبران

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 11:26 2024 السبت ,18 أيار / مايو

استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ
 العرب اليوم - استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ

GMT 16:34 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت

GMT 16:36 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

اعتراض صاروخ أطلق من غزة باتجاه سديروت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab