صاهرت شاعرا

صاهرت شاعرا

صاهرت شاعرا

 العرب اليوم -

صاهرت شاعرا

بقلم - جميل مطر

آليت على نفسى أن أحكى لأفراد عائلتى بعض ما غاب من سير وحواديت تخص أساسات العائلة. بدأت بأم أولادى وانتقلت إلى أمى، ثم ها أنا أصل إلى جد أولادى الذى أسس للفرع الشامى من فروع هذه الشجرة، شجرة عائلتهم.
• • •
سألونى، «كيف كان استقبال جدنا لك وأنت تطلب يد أمنا». أجيب بالآتى: أمكم يا أولادى نقلت لأمها قلقى وتخوفى من رفض أبيها فطلبت منها إبلاغى أنها ستكون حاضرة وسوف تتدخل لو استدعى الأمر. فعلا تدخلت. اصطحبت معى زميلا كان يشاطرنى مع زميل ثالث السكن. خلال أسئلة التعارف ورد على لسان جدكم سؤال عن مرتبى. أجبت بالرقم مترددا ومتلعثما. فاجأنا جميعا بسؤال وجهه إلى جدتكم عن تكلفة غداء يقيمانه للضيوف من الدبلوماسيين والشخصيات الهندية موحيا بأن مرتبى أقل من تكلفة غداء واحد. جاءت إجابتها سريعة ومفحمة «منذ متى يا عمر كنت تسأل عما ننفقه على غداء أو عشاء. ثم إنهما شباب فى بداية حياتهما. هل تحب أن أذكرك بالسنوات الأولى من زواجنا؟».
انتهت المقابلة بتحذير من أننى لا شك لم أعرف ابنته جيدا فهى صعبة المراس، قالها وفى عينيه مسحة من دمعة ترك الغرفة قبل أن تفضحه. هو صاحب هذا البيت المهدى إلى ابنته فى عيد ميلادها:
حسبها أن أردها لك من قلبى.. صلاة، ومن شفاهى أغانى
• • •
حكيت لهم أيضا عن العشاء الذى أقامه جدهم وجدتهم فى بيتهما ببيروت على شرف هيكل ودعى له صحفيون وأدباء وكنا هيكل، المحال إلى ما يشبه الاستيداع، وأنا على مشارف رحلة عربية. أذكر أن هيكل استأذن الحاضرين أن ينضموا له فى طلب أن يلقى جدكم قصيدته الشهيرة التى تسببت فى نفيه قبل الوحدة من سوريا إلى أمريكا اللاتينية. قال هيكل إنه حفظها وهو شاب ولكنه يريد أن يسمعها بصوت من صاغها. هذه القصيدة ألقاها جدكم لأول مرة فى أعقاب هزيمة الجيوش العربية فى حرب فلسطين الأولى. انتشرت بين السوريين وعمت الفوضى. صدر قرار نفى جدكم سفيرا فى البرازيل وسقطت الحكومة. كان مطلعها.
أمتى هل لك بين الأمم.. منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفى مطرق.. خجلا من أمسك المنصرم
ومن القصيدة أيضا،
ألإسرائيل تعلو راية.. فى حمى المهد وظل الحرم
• • •

جدكم يا أولاد كتب فى الغزل أكثر مما كتب فى شىء آخر. مثلا كتب يقول عن امرأة استمعت إلى غزله الرقيق ومديحه لها:
أطرقت والشوق فى مقلتها.. كاد أن يفضح أحلام صباها
عن امرأة أخرى قال فى خاتمة قصيدته عنها:
كأنها فى حبها.. أطهر من أن تخجلا
كتب عن الحب:
يا رب عاطفة وراء جوانح.. خرساء أبلغ من أرق خطاب
قال أيضا:
ليلى! يكاد هواك يجرح زهوتى.. فتبوح بالألم الدفين الأدمع
وقال:
قفى! لا تخجلى منى.. فما أشقاك أشقانى لنطو الأمس، ولنسدل.. عليه ذيل نسيان
فإن أبصرتنى، ابتسمى.. وحيينى بتحنان
وسيرى سير حالمة.. وقولى.. كان يهوانى
وعن حبه لجدتكم:
رفيقة العمر جفانى الكرى.. فوسدينى الساعد اللينا
أريد أن أغفو وفى مسمعى.. ما يستعير الحب من حبنا
• • •
سألت أحفاده عن ذكرياتهم معه. قالت الأصغر «أذكر مفاجآت قدومه إلى بيتنا فى المهندسين بالقاهرة أو بيتنا فى قرطاج بتونس ومفاجآت اختفائه. يأتى حاملا حقيبة يد سامسونايت تتسع لغيارين وقميصين ويغادر بعد يوم أو يومين». قالت الوسطى: أذكره دائما مرتديا بدلته كاملة مع ربطة العنق. لم أره مرة واحدة بملابس النوم حتى عندما أقمت فى بيته ببيروت لمدة عام. أذكره فى أسوأ حالاته عندما توفى حفيده الطفل من ابنه شافع فى حادث أليم بالقرب من جزيرة يونانية. كادت تنسى أو نسيت بالفعل أنها كانت وهى فى السابعة من عمرها تخرج معه فى رحلته اليومية إلى مقهى على كورنيش بيروت. عادا كعادتهما على موعد الغداء وليحكى لنا عما فعلته معه. قال سهوت كعادتى فدخلت التاكسى قبلها. غضبت وخاصمتنى طوال طريق العودة إلى البيت. ما أن دخلت البيت إلا وراحت تشكو بلغة أسبانية تعلمتها فى الأرجنتين تصرفات «سفير سابق لا يحترم قواعد البروتوكول، يدخل السيارة قبل أن أدخل».

• • •
أما الحفيد الأكبر فيحكى أنه كان فى العشرين من عمره عندما ذهب مع جده إلى حفل عشاء ببيت الصباح المنتج السينمائى اللبنانى المعروف والمقيم فى القاهرة مثل آلاف اللبنانيين أثناء الحرب الأهلية. كان مدعوا عدد كبير من الفنانات المخضرمات ولكن أيضا من صغار السن. قال «أذكر أن جدى كعادته كان محاطا بنساء من كل الأعمار وهو يلقى عليهن أشعاره فى الغزل. طلبت منه هامسا تعريفى بواحدة كانت فى مثل عمرى، أى فى العشرين أو أقل. لم يرد. كررت الطلب ولم يرد. اقتربت من أذنه وهددته بأن أناديه «يا جدى» بأعلى صوت وعلى الملأ. استجاب على الفور وعرفنى على الفتاة الجميلة الحالمة بدور فى فيلم ينتجه الصباح، وبالفعل أصبحت وإلى عهد قريب نجمة مشهورة.
• • •
أحسن الحفيد التقدير فجده كان بالفعل شديد الحساسية لمسألة العمر. هو صاحب قصيدة مطلعها
وأتيت مرآتى وعطرى فى يدى.. فبصرت ما لا كنت فيها أبصر
فخفضت طرفى ذاهلا متوجعا.. ونفرت منها غاضبا أستنكر
خانت عهود مودتى فتغيرت.. ما كنت أحسب أنها تتغير
• • •
يا أولادى، أختم هذه الحصة ببيتين نظمهما جدكم عن مشكلة صارت تخصنى وأنا فى هذا العمر، هى مشكلة إدمان الذكريات، يقول:
راويات الزمان، ما لى أناجيك.. ومالى أغص بالأشجان
اغسلى الذكريات عنى فمالى.. فى احتمال العبء الثقيل يدان
• • •
كثيرا ما ردد أمامنا
عالم الوهم نحن صغنا رؤاه.. وأردناه أن يكون فكانا
لست تسطيع أن تكون إلها.. فإن اسطعت فلتكن إنسانا
• • •
نعم. صاهرت شاعرا.. صاهرت عمر أبو ريشة.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صاهرت شاعرا صاهرت شاعرا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab