كان هناك بيت في خان يونس

كان هناك بيت في خان يونس

كان هناك بيت في خان يونس

 العرب اليوم -

كان هناك بيت في خان يونس

بقلم - جميل مطر

جلست أمام الشاشة أتابع صور وأخبار ما يجرى فى جنوب غزة بعد أن انتقلت إليه قنابل ورصاصات جيش الاحتلال. قدمت المذيعة لتطورات اليوم فى القتال بعبارات وجيزة ولكن بصوت مرتعش قبل أن تستدعى مراسل القناة ليدلى بدلوه وليقدم التفصيلات الضرورية. أدلى المراسل بدلوه أمام مشاهد مشدود بكل أحاسيسه نحو واقع غير مألوف. رجل على الشاشة ينقل لى بالكلمات ما فعلت الرصاصات الأمريكية بوجه طفل رضيع. الرجل نفسه غير منتبه لاحتمال كبير أن يكون فى تلك اللحظة هدفا لرصاصة لئيمة يستعد لإطلاقها فى اتجاهه مجرم حرب آخر أشد لؤما. حاولت بجهد أن أركز على رسالة المراسل الفلسطينى بينما انحاز تركيزى بمجمله إلى أن ما أفعله فى حقيقة الأمر لا يخرج عن كونى مشاهدا متوترا يتوقع رصاصة تنطلق فى اتجاه المراسل يسقط بعدها مضرجا فى دمائه، ليصبح فى عناوين الأخبار فى النشرة التالية صحفى فلسطينى يضرب بمصرعه الرقم القياسى فى لعبة اصطياد الصحفيين، لعبة حرمها القانون الدولى وشرعتها الصهيونية بوجهيها الأمريكى والإسرائيلى.
• • •
لم أعرف إن كان الجندى الإسرائيلى تأخر فى إطلاق رصاصته أم أننى أفقت من كابوس القتل المتعمد للصحفيين على صوت المراسل الفلسطينى يعلن مزودا بالصور اللازمة أن أكوام الأسمنت والأحجار والأثاثات والملابس المتناثرة فى عديد هذه الصور وبعضها مختلط بالدماء تنتمى جميعها إلى بيت عائلة معروفة. سكت المراسل لثوان قبل أن يعود ليقرر أن العائلة التى سكنت هذا البيت ولها فروع فى البيوت الأخرى المجاورة والمتقابلة فى هذا الحى هى عائلة الفرا التى عاشت لقرون فى هذا الركن البعيد من قطاع غزة والقريب من حدود فلسطين مع مصر.
الحزن كالحب. ليس كل الحزن واحدا أو متشابها وليس كل الحب واحدا أو متشابها. الحزن على فقد جماعة من الناس ليس كالحزن على فقد أحد بعينه فيها، كما أن مشاعر الحب ليست واحدة أو متطابقة فى كل الأحوال وتحت كل الظروف ومع أكثر من فرد. على امتداد سبعين يوما وأكثر عشت مع الحزن بأنواعه العديدة أوقاتا طويلة. كنت شاهدا على قتل مئات من أهل غزة المدينة وغزة القطاع. من هؤلاء قتلت الطائرات بقنابلها الأمريكية «الغبية» آلاف الفلسطينيين من أبناء القطاع. هذه القنابل وصفتها الصحف الأمريكية بالغبية لأنها مصنوعة لتكون أقل تمييزا فتحصد بغبائها أعدادا أكبر من الضحايا وبخاصة بين الأطفال.
وسط الحزن وكثير من الغضب تذكرت سنوات رائعة فاضت بالحب والتفانى قضيتها فى صحبة وزمالة الدكتور محمد الفرا، شهم فلسطينى آخر من أبناء خان يونس. عملنا معا، هو الرئيس وأنا نائبه، فى الإدارة المخصصة لشئون فلسطين فى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. جمعنا للتعارف والعمل معا محمود رياض الأمين العام الأسبق للجامعة العربية. التقيا فى نيويورك وكانا مندوبين دائمين لمصر والأردن وعندما جرى تعيين رياض أمينا عاما للجامعة عرض على زميله العمل رئيسا للإدارة العامة فى شئون فلسطين. وعندما انتقلت الجامعة إلى تونس عرض الفرا أن أعمل نائبا له. كانت فرصة لا تعوض لمن أراد أن يعرف أكثر عن منظمة التحرير والمواقف الحقيقية للدول العربية تجاه القضية، ولمن كان يحلم بالاقتراب من بعض قادة العمل الفلسطينى.
فى بيته القريب من بيت الرئيس عبدالناصر فى القاهرة وفى مكتبه بمقر الجامعة فى شارع خير الدين بتونس وفى بيته بحى المنزه بالعاصمة التونسية وفى مختلف مقار القيادات الفلسطينية بمصر وبحى التضامن وحى سيدى بوسعيد فى تونس العاصمة، هناك عشت ساعات طويلة أجمع لنفسى سير حياة قادة أهم التيارات والفصائل الفلسطينية وبخاصة هؤلاء الذين رحلوا، أو فى الحقيقة، هاجروا من بيروت، حيث كانت لهم هناك دويلة فى حى الضاحية، إلى تونس ليعيشوا فى حماية وتحت رقابة جيش الرئيس الحبيب بورقيبة. حضرت مع هؤلاء اجتماعات بصفتى الرسمية ثم بصفتى الشخصية، ودعيت مرات إلى مكتب الرئيس عرفات لأشارك فى حوارات هادئة وأخرى عاصفة. كان معى فى إحداها الصديق لطفى الخولى. شجعتنى هذه العلاقات على أن أتداول بدرجة عليا من الصراحة فى شئون فلسطينية داخلية وفردية. كانت الفترة التى قضيتها فى تونس فلسطينية بأكثر من معنى. صار بيتى فى شارع الجمهورية بضاحية قرطاج منبرا للحوار الحر الآمن حسب ظننا البرىء فى ذلك الحين. حصيلة التجربة وفيرة من نواح عديدة، يكفى أننى عشت بعدها سنوات، وإلى فترة قريبة، أقرأ ما يدور فى أذهان سياسيين ومفكرين فلسطينيين عديدين وأتوقع تصرفاتهم ومواقفهم كما لو كانت عقولهم متاحة أمامى ككراسات مفتوحة.
كانت فترة غزيرة بالمعلومات عن طموحات شعب رفض أن تنساه الشعوب الأخرى وبخاصة شعوب تبادل معها الانتماء. تعلمت أن الطموحات إن بحثت عنها فسوف أجدها عند الشباب. وإن غاب الشباب فى أمة لا بد أن نتوقع لها الانكسار والدخول إلى عالم النسيان. تعرفت على الشباب الفلسطينى من خلال زمالتى لعدد منهم. عملت فى الأمانة العامة للجامعة العربية مع مارى عوض ومروة جبر ومكرم يونس وأحمد جراد وسيف الدرينى فكانوا نعم الشباب. لم يتوقف واحد أو واحدة منهم عن السعى للتفوق وأداء الواجب لوطن جريح. غاب الوطن ولم يغيبوا.

 

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كان هناك بيت في خان يونس كان هناك بيت في خان يونس



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 العرب اليوم - الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab