مستقبل غزة نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا

مستقبل غزة.. نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا

مستقبل غزة.. نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا

 العرب اليوم -

مستقبل غزة نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا

جميل مطر
بقلم - جميل مطر

يحلمون بغزة وقد رحل عنها الاحتلال وعادت إلى حكامها وتدفقت عليها أموال عربية وأوروبية لإعمارها، أو عادت ومعها الضفة الغربية ليرفعا معًا علم فلسطين، الدولة المستقلة المناضلة لتحرير فلسطين التاريخية ذات يوم قريب أو بعيد. يحلم بها غيرهم وقد أفرغت من كل سكانها، وقامت فيها مستوطنات ومدن بأسماء عبرية يسكنها يهود جاءوا من كل الأصقاع هاربين من أحكام أو متآمرين على بلاد ولدوا فيها أو مغامرين ومتطرفين وحالمين. آخرين، وهم كثر، يحلمون بعودة كل شىء إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر. هؤلاء غارقون فى الحلم أو فى الوهم بأن التاريخ معهم والمستقبل قدر مكتوب وواجبهم حماية الوضع القائم، أى حماية الاستقرار والرضا بما فرض عليهم على أمل أن يأتى الأحسن متدرجًا بهدوء وسلام.

• • •

كل هؤلاء عيونهم على «اليوم التالى». أكثرهم متجاهل حقيقة أن اليوم السابق على السابع من أكتوبر ما يزال حيًا ومتشبثًا بما تحقق أو بما يسعى لتحقيقه. نعم، خلخل الطوفان فى مسيرته ثوابت مهمة، مثل قوة الردع الصهيونية سواء وجدت على أرض فلسطين أو فى مواقع الهيمنة، كما فى واشنطن وباريس وبرلين ولندن، أو فى داخل دول عربية وغير عربية فى منطقة الشرق الأوسط. كشف أيضًا درجة انحدار مكانة وقدرات قوى دولية وإقليمية، ومن هذه الأخيرة إسرائيل نفسها كقوة إقليمية وأمريكا كقوة دولية. كشف فى المقابل عن درجة نهوض سياسات وأدوار قوى دولية وإقليمية أخرى، ومن هذه القوى الصين وروسيا وإيران وقوى المقاومة الوطنية المتجددة دائمًا. عيون كل هؤلاء وعقولهم على اليوم التالى، وليس على اليوم السابق الذى لم يغادر والأدلة كثيرة على أنه لم يغادر تمامًا، من هذه الأدلة:

أولًا: يستمر التصعيد الإسرائيلى فى الضفة الغربية بنفس منوال اليوم السابق للسابع من أكتوبر. لم تتوقف السلطة الإسرائيلية وعصابات المستوطنين عن شن حملات الدهم للبيوت فى مختلف مدن ومخيمات الضفة. بمعنى آخر استمرت إسرائيل تقتل الفلسطينيين وفى الوقت نفسه استمرت، تدرى أو لا تدرى، تدفع الشباب الفلسطينى نحو الاستعداد ليوم الثأر والتحرير. إسرائيل مستمرة فى بناء المستوطنات على أراضٍ فلسطينية ومستمرة فى حرق المزارع وأشجار الزيتون وقتل الأطفال.

ثانيًا: إسرائيل اتجهت خلال السنوات الأخيرة نحو تطرف يمينى أشد وجديد فى أساليبه وأهدافه. اليوم، كما اليوم السابق على حرب غزة، إسرائيل تحكمها سلطة صهيونية إرهابية الأفكار والوسائل، أشد خطرًا على السلم الإقليمى والعالمى من داعش وإخوتها. تحمى إرهاب المستوطنين وتخطط بعلانية وبالجهر الممكن لعمليات إبادة للفلسطينيين أو تهجيرهم.

ثالثًا: تقوم فى رام الله حتى ساعة كتابة هذه السطور سلطة فلسطينية تزعم أنها تحكم باسم منظمة التحرير الفلسطينية وهى بالفعل لا تحكم. المحتل الصهيونى يحكم والسلطة الفلسطينية متهمة بأنها تؤمن ظهر المحتل ولا تقف عائقًا أمام حملات المستوطنين وغارات سلطة الاحتلال. اليوم، كما اليوم السابق على حرب غزة، الضفة الغربية تغلى بالغضب المزدوج، غضب على المحتل وغضب على وكيله الفلسطينى. بفضل أوسلو وبالرغم منها صارت السلطة فى نظر العالم الخارجى وكيلًا لدولة الاحتلال. بقيت فى رام الله مجرد رمز لا يضر المحتل وبالتأكيد وحتى الآن غير مفيد لفلسطين.

رابعًا: تصادف الطوفان مع استعدادات تجرى فى أمريكا لانتخابات رئاسية فى العام التالى. انتخابات أمريكا حدث عظيم لاختبار النوايا وتوزيع الخيرات وسوق رائجة لبيع النفوس والأصوات. الخطط لها محكمة ومدروسة بعناية فائقة من جانب مراكز القوة الحقيقية فى الدولة. لذلك غير مستحبة بل ومكروهة بشدة المفاجآت والأحداث غير المتوقعة، وهذه إن وقعت فالتعامل معها يكون بقسوة وعنف لازمين. كانت أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من أحداث مفاجآت غير مستحبة بل ومكروهة. يبقى العام الجارى حتى قرب نهايته عام انتخابات وفى الوقت نفسه عام التعامل مع الطوفان وتداعياته. يبقى أيضًا درسًا فى تاريخ العقود الأخيرة من حياة إمبراطورية عظمى.

خامسًا: عاشت حماس فى غزة تدير وتحكم فى غياب تعاطف، ولا نقول حماية، معظم دول إقليم الجوار العربى. كتائبها سجلت مقاومة مشهودة فى حرب طالت ضد قوة شهدت لها دول الغرب ودعايتها بالموقع المتفوق بين قوى الحرب والغزو العالمية. فرضت بمقاومتها وحسن تخطيطها؛ احترام فريق مهم من خصومها فى المنطقة، أجبرته على الإشادة بإنجازاتها وصمودها إرضاء لمشاهديها ليس فقط فى الوطن العربى وإنما فى كل أنحاء العالم. أخرجت بنفسها الطويل الطلاب فى الجامعات الأمريكية أحد أهم حصون الصهيونية العالمية ومصنع عقولها ومعمل تفوقها التكنولوجى، أخرجتهم فى عام انتخابات من قاعات الدرس إلى ساحات الاحتجاج والمساندة، ثم إلى ما هو أهم، إلى شاشات التليفزيون التى تحتكرها لمصلحتها مؤسسات الصهيونية العالمية المهيمنة على مصارف وشركات سلاح عملاقة ومراكز للعصف الفكرى. لا أتصور أن إسرائيل وقوى الصهيونية سوف تسكت على حلقات مسلسل انحسار قوتها أو على الشروخ التى صارت تهدد دروعها العالمية.

سادسًا: لا تزال آمال إسرائيل والصهيونية العالمية معلقة بما بدأت الولايات المتحدة ودول فى أوروبا وبخاصة ألمانيا من إجراءات لشل حركة حماس وتعزيز سياسات الفصل والوقيعة بينها وبين أكثرية الدول العربية وكذلك بين هذه الدول وإيران. من ناحية أخرى أدرك الغرب حقيقة أن حماس ظاهرة متكررة فى تاريخ النضال ضد الاستعمار. القضاء عليها غير ممكن طالما بقيت الحاجة إلى حركة مقاومة. من ناحية ثالثة، اتضح أن الموقف الذى اتخذته دولة اتحاد جنوب إفريقيا فى شأن التوجه بقضية غزة لمحكمة العدل الدولية لم يكن سوى قمة جبل جليد تتحرك تحته بوادر موجة من موجات ثورة إفريقية عارمة نشبت بشائرها فى أوائل نفس العام فى منطقة الساحل، هدفها الإطاحة بهيمنة الغرب على القارة.

• • •

تجتمع أمامنا الآن عناصر تشترك بوجودها وحركتها فى صنع وصياغة فصل جديد من فصول الغزوة الصهيونية ليس فقط فى فلسطين وغيرها من أوطان العرب وجيرانهم لكن أيضًا فى العالم بأسره. ما حدث حتى الآن قد يبدو لمراقب أو آخر تغيرًا طارئًا فى ظروف استثنائية قابلًا للتصحيح عند زوالها. وقد يبدو لمحلل متريث تحولًا جوهريًا ليس فقط فى نمط سلوك دولة عظمى ودول كبرى فى قارة شاخت، وفى قواعد وأساليب عمل الصهيونية باعتبارها شبكة هيمنة عالمية مترامية الأطراف والأهداف، لكن أيضًا وبشكل جذرى فى نمط توزيع القوة وتوازناتها فى إقليم الشرق الأوسط.

الصدام متوقع بين واقع ينحسر بجلبة شديدة وكلفة عالية وبين مستقبل زاحف بعناصر تعكس تحولات جذرية فى الهياكل والسياسات. مستقبل يهدد قلاعًا كان الظن أنها راسخة الأسس وقوية المعتقد.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبل غزة نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا مستقبل غزة نفكر بيوم تالٍ واليوم السابق لم يغادر تمامًا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 05:56 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

تدمير التاريخ

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 17:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يحاول استعادة بلدات في حماة

GMT 06:19 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

اللا نصر واللا هزيمة فى حرب لبنان!

GMT 02:32 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا تعلن عن طرح عملة جديدة يبدأ التداول بها في 2025

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 20:57 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يؤكد موقف الإمارات الداعم لسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab