حوارات هادئة

حوارات هادئة

حوارات هادئة

 العرب اليوم -

حوارات هادئة

بقلم - جميل مطر

أسبغ الزمان علينا بأوقات نغيب فيها عن بعضنا البعض وبأوقات تجمعنا لنناقش ما أنجزناه وما أخفقنا فيه خلال الغياب ولنحلم معا ولأمتنا بأوقات هناء ورغد وكرامة. أما نحن فمجموعة من رجال ونساء التقينا على مرات حتى اكتمل ما اعتبرناه نصابا متوافق الأهداف وإن اختلفت أدواته وتعددت حتى تباينت مصادره. بيننا صناع قرار ومخططو سياسات وصناع رأى ونقاد أدب وأبطال دراما. أغلبنا اقترب من قلب السياسة الخارجية تنظيرا أو هواية أو تدريسا أو تنفيذا أو كلها معا.
اقترح أحدنا أن نحمل لاجتماع هذا الشهر قوائم بهموم الأهل فى بلد كل منا. نفرش الهموم على المائدة لنختار أسبقها فى الأهمية ثم نرتب الأسبقيات استعدادا للنقاش. استبعدنا بالتأجيل مناقشة قضية عجزنا عن الاستعداد فى وقت مناسب للتعامل معها وأقصد الذكاء الاصطناعى وملحقاته وتوابعه. كما استبعدنا، لضيق الوقت المخصص للاجتماع، التعرض لتفاصيل ومجريات الحرب الدائرة بين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلف الناتو من جهة أخرى.
للانتقال مباشرة للنقاش صغنا ثلاثة عناوين رئيسة.
أولا: التخبط فى خطوات بناء الدولة الحديثة فى العالم العربى بين وحدة منقوصة وانفراط متسارع
لا جدال فى أن الحكام العرب سواء منهم من تلقى من المستعمر مسئولية بناء دولة أو من اختار لنفسه عبء تنفيذ هذه المهمة، جميعهم اكتشفوا بعد وقت قصير أو طويل أن إمكانات أقطارهم والبيئة المحيطة بها لم تساعدهم فى أداء مهمتهم، بل ربما كانت من بين العوامل التى أحبطت مساعيهم. مرت سبعون عاما ولم تتحول بعد أكثر «الأقطار» العربية إلى دول. صحيح أن اثنين وعشرين علما اصطفت ترفرف على جوانب الطريق المؤدية إلى القاعة التى شهدت انعقاد القمة العربية الأخيرة، ولكن المدقق فى تفاصيل التاريخ الحديث تدهشه حقيقة أن أقطارا عديدة من الدول المجتمعة فى القاعة لم تكتمل بعد بناها كدولة. جميعها حصلت على اعتراف بسيادتها ولكن بعضها إن لم يكن أكثرها ما يزال يعانى وبقسوة أعراض «نقص فى الدولة». كانت هناك مقاعد فى القاعة يحتلها ممثلون بصفتهم رؤساء وخلفهم جلس مساعدون ومساعدات وعندما حل الدور ألقى رئيس بخطبة سياسية باسم «الدولة» التى يترأسها وهى العضو كامل العضوية فى جامعة الدول العربية، وفى الحقيقة يعلم ويعلم الرؤساء الآخرون أنه يتحدث باسم دولة غارقة فى حرب أهلية أو تمزقها صراعات طائفية أو تهيمن على معظم أطرافها ميليشيات وعصابات مرتزقة أو تقبض على رقابها أزمة اقتصادية مستدامة وخانقة أو لم يسعفها الحظ بقيادات سياسية كفوءة، «دولة» لم تستحق بعد هذه الصفة رغم أنها حصلت على استقلالها وعلى عضوية الأمم المتحدة قبل نصف قرن أو أكثر أو أقل.
ثانيا: تحديات فى مسيرة النظام الإقليمى
لم تكن مسيرة سهلة بل تخللتها صعاب كادت فى مرات عديدة تحبطها كلية. كان ولا يزال الوجود الإسرائيلى أحد أسباب الإحباط إذ لم تتمكن الدول العربية من تحقيق تكامل أمنى يتناسب والخطر الذى يمثله وجود هذا العدو مع الدعم الغربى المتوافر له. تطور الإحباط فيما بعد ليصبح نمطا فى علاقات بمواصفات خاصة وجارٍ تعميمه بالسرعة المثيرة للجدل والضغط الأمريكى المتزايد بحيث يسبق احتمالات اندماج الدول العربية الواحدة بعد الأخرى فى نظام إقليمى آخر متعدد الأعراق والملل.
من التحديات أيضا الشبه الكبير بين اقتصادات عربية ناشئة الأمر الذى حرم النظام العربى من فرص إقامة تكامل اقتصادى رغم أن عقد السبعينيات شهد تنفيذ تجارب تكاملية لا بأس بها وإن اعتمدت فى غالبيتها على الفورة الطارئة فى عائدات النفط بعد حرب أكتوبر وعلى نخبة ضئيلة العدد من التكامليين والاقتصاديين العرب. ومما لا شك فيه أن التجربة العربية فى التكامل افتقرت إلى كثير مما توافر للتجربة الأوروبية من قيادات تكاملية ومن دروس التجربة الناجحة لمجموعة الحديد والصلب كنقطة انطلاق ناجحة.
تزاوجت قبل أن تنفرط عناصر هامة حققت انطلاقة السبعينيات فى صنع تجارب تكامل ناجحة. إذ خلف العمل العسكرى الناجح فى الحرب ضد إسرائيل مع الموقف السياسى الاقتصادى للنفط مع تدفق فى مشاعر العقيدة القومية فى كافة أنحاء العالم العربى، كل هذا بالإضافة إلى توافر عدد من خيرة الاقتصاديين تحت قيادة مدربة فى الجامعة العربية أرسى أرضية خصبة أقيمت فوقها مشروعات تكاملية حققت نجاحات.
أضف إلى ما سبق أن قيادات العمل العربى المشترك لم تفلح فى تأسيس مدرسة لتسوية النزاعات بين الدول العربية. بمعنى آخر استمر نشوب النزاعات بين الدول العربية فى غياب أداة إقليمية أو قومية تنشط على الفور لإخمادها قبل أن تتصاعد فتشل جانبا أو آخر من جوانب العمل العربى المشترك. لم يخل الأمر، مع ذلك، من جهود قام بها أفراد ومحاولات ناجحة ساهمت بها سلطنة عمان إلا أنها فى مجملها لم تسهم فى وضع قواعد وطرق لتسوية النزاعات التى تنشب بين دول الجامعة العربية، منها المزمن كالنزاع بين المملكة المغربية والجزائر ومنها غريب النشأة والأطوار وأحد أطرافه دولة قطر ولم يهدأ إلا بتدخل من النظام الدولى ممثلا فى الولايات المتحدة.
ثالثا: تحولات فى النظام الدولى
كلنا فى هذا العالم مقبلون على فترة عصيبة، هى فترة استثنائية بكل الحسابات والمعايير لأنها الفترة التى تستعد فيها الصين كدولة عظمى صاعدة وتستعد معها دول عديدة، كل بإسهام متواضع، لتجريد الولايات المتحدة كقطب دولى أعظم من أدوات هيمنته وتحييد إمكانات استمد منها على امتداد عشرات السنين الطاقة اللازمة لممارسة الهيمنة. على الجانب الآخر من الصراع الدائر حاليا والممتد غالبا فى الفترة الطويلة القادمة لم يتأخر القطب الأمريكى المتهم بالهيمنة وسوء استغلال سلطاته كقطب أوحد وأعظم، عن تعبئة وحشد إمكانات ضخمة، من بينها ولعله فى صدارتها تجييش حلف سياسى عسكرى اقتصادى أيديولوجى، ليهدد به أمن وسلامة القطبين الروسى والصينى. جرب ضد أحدهما الحرب الفعلية والساخنة حتى تأكد لنا وللعالم بأسره تدهور حاله باستثناء احتفاظه بسلاحه النووى ليستعمله، حسب خطابه المعلن، إن تعرض وجوده لخطر الإبادة. أما الصين، القطب الثانى الذى لم يخف نيته تجريد الولايات المتحدة من أمضى أسلحة هيمنتها على العالم والوعد بتقييد حريتها فى العمل الدولى عن طريق سن قواعد مختلفة يخضع لها كل الأقطاب والدول الأعضاء فى نظام دولى جديد.
لن يكون هذا السباق، أو التنافس، ناعما. وبالفعل بدأ خشنا ولئيما وبشكل من الأشكال وحشيا. لم يخطئ كثيرا أو يبالغ من اعتبر الحرب الناشبة ضد روسيا تدريبا لحرب أشد وطأة سوف يشنها الأمريكيون بمساعدة بعض دول الغرب ضد الصين لتعود قطبا ثانويا فى هيراركية القيادة الدولية. ليس فى ظننا، على كل حال، أننا سوف نكون شهودا على نظام دولى متعدد الأقطاب. التعددية ليست ولن تكون هدفا أمريكيا. الهدف، وقد جربته فعلا وواقعا الولايات المتحدة، نظام دولى أحادى القطبية. وإن تعذر أو تعثر فنظام دولى ثنائى القطبية، وقد جربته هو الآخر ونجحت التجربة. به وعن طريقه أضعفت القطب الثانى بسلسلة من سباقات تسلح قبل أن تخرجه نهائيا من معادلة القيادة الدولية. أما إذا اضطرت إلى قبول الصين قطبا ثانيا فى نظام ثنائى القطبية فسيكون القبول مشروطا بخضوع الصين لقواعد عمل النظام الدولى الذى شكلته ووضعت قواعد عمله خلال وفى نهاية الحرب العالمية الثانية. بدون هذا الشرط سوف تنشب حرب باردة ولكن شرسة بين القطبين وسوف تسقط دول وشعوب كضحايا أجواء متناهية العنف. غالب الأمر أن يشهد الغرب انقسامات وسياسات تمرد ضد القطب الأمريكى، وبخاصة بعد أن زال التهديد الروسى، وقد تشهد آسيا، فى أقصى شرقها حيث اليابان والكوريتان وحيث توجد القنبلة الأمريكية الموقوتة فى مضيق تايوان. وهناك فى أقصى جنوب القارة حيث الهند، توترات مع الصين تستديم كما استدامت فى أوروبا الانقسامات والحروب على امتداد قرون.
تشير مؤشرات أولية إلى أن السباق على أفريقيا وأمريكا الجنوبية حيث توجد وبوفرة المواد الخام الضرورية للثورة الصناعية الثانية، نقصد الثورة الإلكترونية فى مرحلتها الذهبية، لن يكون متحضرا بل شرسا كسابقه، السباق الأوروبى على أفريقيا فى أواخر القرن التاسع عشر. الميليشيات متوافرة وبكثرة وكذلك فرق المرتزقة والزوار الكبار مندوبون عن كل الأقطاب والشركات الكبرى.

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوارات هادئة حوارات هادئة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab