نحن والعالم تحت أضواء الحرب فى أوكرانيا

نحن والعالم تحت أضواء الحرب فى أوكرانيا

نحن والعالم تحت أضواء الحرب فى أوكرانيا

 العرب اليوم -

نحن والعالم تحت أضواء الحرب فى أوكرانيا

بقلم: جميل مطر

يشاء حظى أن أعيش لأشهد نموذجا مصغرا لحرب عالمية أتأثر بها وأحاول التأثير فيها. ضاعت منى فرصة أن أكون شاهدا على حرب عالمية حقيقية، نشبت الأولى وانتهت قبل أن أولد، ونشبت الثانية وانتهت وأنا طفل يعى ولا يستوعب. ولم تنشب الثالثة، أو ما يشبهها، لأكون شاهدا عليها إلا وقد صرت واعيا إلى درجة تسمح باستيعاب ما يجرى. نشب ما يشبه المجسم لحرب عالمية طرفاه، وبمعنى أدق أطرافه، ثلاثة من القوى العظمى ومعهم عديد الحلفاء. بين هؤلاء الحلفاء من انضم إلى الحرب من تلقاء ذاته ولخدمة مصالح بعينها ومنهم من انضم تحت الإقناع بالضغط أو بغيره ومنهم من يخاف العقوبات وأرهبه التهديد بالمقاطعة الاقتصادية والحملات الإعلامية. دول أخرى أكثر عددا وقفت على هامش دائرة الحرب رافضة إغراءات وتهديدات عديدة ومتمسكة بموقف اللا ــ انحياز الخجول بطبعه الجديد، المتوسل حينا والمتهور حينا آخر. المؤكد فى كل الأحوال، من وجهة نظرى على الأقل، هو المدى البعيد الذى راحت إليه هذه الحرب أو مجسم الحرب كما أطلقت عليه فى التأثير والتأثر بالعالم بأسره سياسة واقتصاد وارتزاق وجريمة منظمة وتضخم وبطالة وأزمات غذاء وتحولات دولية وإقليمية وبغيرها من ثوابت ومتغيرات العالم الذى نعيش فيه. أختار منها لهذا المقال نتفا لا تفى الموضوع حقه بقدر ما تلفت الانتباه إليه.

***
أولًا: زيلينسكى فى قمة العرب: لم أُخف يوما، على امتداد أيام عملى فى الأمانة العامة للجامعة العربية، اعتراضى على دعوة شخصيات أجنبية لحضور اجتماع من اجتماعات الجامعة. لم تجر العادة على دعوة رؤساء قممنا العربية لحضور اجتماعات منظمات إقليمية أو دولية إلا نادرا وإن كنت لا أذكر الآن إحداها. ينبع اعتراضى من واقع وطبيعة اجتماعاتنا. لمن لا يعرف أو يدرك أذكره بنوع خلافاتنا المختلف غالبا عن أنواع الخلافات بين الدول أعضاء منظمات أخرى. أذكره أيضا بالحدة التى تتسم بها أحيانا حواراتنا، زعماء كنا أم مثقفين أم بيروقراطيين وأحيانا دبلوماسيين من ذوى الباع الطويل فى مؤتمرات دولية. سمعتهم هناك وسمعتهم هنا والفارق كبير. ليس هذا موضوعنا على أية حال، إنما كانت دعوة زيلينسكى تحديدا السبب الذى أثار جدلا جانبيا غير محسوب أو متوقع ولا كان مرغوبا فى هذه القمة تحديدا، وهى القمة التى توقعت أن تتحرك بحساسية شديدة وحرص بالغ وحسابات دقيقة. لم يكن يليق بالولايات المتحدة أو بحليف فى الحرب الأوكرانية أن يقترح أو يوصى بدعوة زيلينسكى إلى مؤتمر له طبيعة خاصة وسلوكيات معظم أعضائه تشى برغبتهم فى التمسك بموقف اللا ــ انحياز، وفى قول آخر بالموقف الأقل انحيازا، وبرغبتهم فى تفادى كل ما من شأنه أن يثير خلافات إضافية بين الأعضاء.
كنت تقريبا هناك، أسمع أولا بأول، تفاصيل بعض ما دار. أعود فأؤكد هنا أن لا أحد بين أعضاء الوفود وقياداتها أسعده خبر حضور زيلينسكى وبخاصة عندما راح يسترسل فى خطاب لم يكلف نفسه أو من صاغ له بعض أهم فقراته أن يعلن أمام أصحاب الشأن فى القاعة أو ملايين العرب عبر الأثير أنه يقف إلى جانب قضية عربية أو أخرى. قيل لى ولغيرى أن للرجل حساباته الشخصية والسياسية التى منعته وستمنعه دوما وأبدا من تأييد حق شعب عربى فى التخلص من الاحتلال الغاصب والمجرم. المهم أن الخطاب كان مذاعا فسمعه ملايين العرب وليس فقط رؤساؤهم. أساء إليه وإلينا حلفاؤه ومستشاروه حين دبروا وخططوا له الرحلة إلى قمة العرب.
ثانيا: بدأت القمة الثانية والثلاثون كعادة معظم القمم العربية وسط انقسام وتوتر وخلافات فى الرأى. كدت أكتب أن هذه القمة اختلفت عن سابقاتها فى أن موضوع الخلاف الرئيس فيها دار حول شخص رئيس دولة عربية مشارك فى المؤتمر. نسيت للحظة أن خلافات قوية كثيرا ما نشبت فى قمم سابقة بسبب وجود ومداخلات الرئيس الليبى العقيد القذافى. هذه المرة كان الدافع للانقسام أشد وأخطر. كثيرون فى داخل القاعة ظلوا غير مقتنعين بحكمة دعوة الرئيس الأسد للمشاركة فى القمة قبل أن تزول أسباب القطيعة. سمعت من يقول عادت مصر ولم تزل أسباب القطيعة قائمة. رد آخرون بأن خطيئة الرئيس الأسد أكبر ولا تغتفر. لم يتأخر الرد على الرد. استمر الجدل دائرا ليتصاعد صعودا مفاجئا حينما انطلق الرئيس الأسد فى خطابه غير آسف وغير متردد بل مهاجما ومتوعدا. ها هى القمة العربية تستعيد إبداعاتها. لا أحد يقاطع ولا أحد يعلق دعما أو استنكارا. هناك من غادر القاعة قبل أن يلقى الأسد خطابه وهناك من تبادل نظرات الاستنكار مع زملاء وهناك من أخفى وجهه خشية أن يقرأ أحد فيه ما حاول أن يخفيه أو يكتمه فى داخله. ينتهى المؤتمر تاركا بدون حل ممكن ومعقول ومقبول المسألة السورية. ليست المرة الأولى على كل حال. تبقى سوريا كما بدأت مشوارها العربى، والعروبى أيضا، تبقى «عنوان مسألة» وليس اسم دولة عضو فى جامعة الدول العربية.
ثالثا: توقعت شخصيا أن يصدر عن هذه القمة تحديدا خارطة طريق مالية وإدارية لمسارات العمل داخل الأمانة العامة للجامعة العربية على امتداد سنوات قادمة، لم تصدر ويبدو أنها لن تصدر قريبا أو صرف النظر عنها. كمراقبين من الخارج كان اللافت لنظرنا على امتداد سنوات الانشغال الدائب والمفصل من جانب المملكة السعودية بالشئون المالية والإدارية للجامعة. وصل الانشغال فى أوقات إلى حد سبب قلقا عظيما لدول كثيرة أو سعادة وانشراحا لدى دول أخرى عاشت على أمل أن تشهد إصلاحا حقيقيا وناجعا للعمل العربى المشترك وليس فقط فى الشئون المالية والإدارية.
جدير بالذكر أنه جاء فى خطاب سمو ولى العهد السعودى والرئيس الفعلى للمؤتمر ما يلمح كما قال البعض وما يشير كما قال بعض آخر إلى أن المملكة تأمل أن تتاح الفرصة لدول المجموعة العربية أن تستفيد من النهضة الاقتصادية الشاملة التى سوف تكون من نصيب المملكة فى السنوات القليلة القادمة. لم تصرح المملكة عن طريق ولى العهد أو وفدها لدى المؤتمر عن أن لديها خطة شاملة تحقق بواسطتها تكاملا اقتصاديا عربيا ينهض بالأمة نهضة غير مسبوقة، ولكنها ألمحت أو أشارت إلى علاقة سوف تربط النهضة السعودية المنتظرة بنهضة عربية تلحق بها بالضرورة وبالنية المسبقة.
مرة أخرى تعود فيما يبدو منطقة الخليج للتبشير بعهد جديد للعمل العربى المشترك. فى المرة الأولى شهدت السبعينيات انطلاق مرحلة صعود فى العمل العربى المشترك مدفوعا بالجهد القومى المشترك الذى حقق انتصارات عسكرية وطفرة مالية سمحت بنشاط مرموق لسنوات معدودة فى مجالات اقتصادية ومصرفية وزراعية مشتركة. آمال شبيهة بآمال السبعينيات طافت فى أجواء قاعة اجتماعات قمة جدة وربما ومما سمعت وقرأت وشاهدت لعلها أوسع طموحا لأسباب وظروف مفهومة.
• • •
لا أتجاوز أو أبالغ حين أقرر أن بعض ما شاهدناه وبعض ما سمعناه فى أرجاء قاعة القمة فى جدة وقع متأثرا بأجواء وتطورات الحرب الأوكرانية. فى الوقت نفسه لا أقلل من أهمية واقع ملموس، وهو صوت أعلى وأعمال جسورة تصدر عن دول الجنوب فى مواجهاتها الخاصة مع دول الشمال المتصارعة على أرض أوكرانيا وشعبها. أتصور، وبين زملائى من يشركنى هذا التصور، أتصور أن دولا فى الجنوب أكثر عددا صارت تحاول التفلت من ضغوط واستفزازات بعض دول الشمال وبخاصة من سلوكيات الهيمنة الأمريكية والإصرار على الاستمرار فى ممارسة سياسات استعمارية كان الظن أن أوان اختفائها حان وانقضى. أتفهم أسباب الشعور الطاغى فى عالم الجنوب بأن أمريكا فقدت مشروعية الانفراد بقيادة العالم حين جرت أوكرانيا أرضا وشعبا لحرب غير مبررة وكان من الممكن تفاديها بالتوقف عن استفزاز الوطنية الروسية وأمن روسيا.
أتفهم فى الوقت نفسه أسباب الانحسار المتدرج فى تعاطف، ولا أقول تأييد، أهل وحكومات الجنوب مع روسيا فى الحرب الناشبة بينها وبين الولايات المتحدة وجماعتها. تعاطف الجنوب مع روسيا عن قناعة بأن روسيا كانت ضحية استفزاز يجرى ممارسته منذ انتهت الحرب الباردة. ثم راح التعاطف ينحسر مع أداء متواصل التدهور وبخاصة حين لجأت موسكو إلى جماعات من المرتزقة تستكمل بها نقصا وتسد فراغا فى قدراتها الدفاعية، ثم حين راحت تهدد باستخدام أسلحة نووية.
أتابع مثل غيرى الميل المتصاعد من جانب أهل الجنوب فى اتجاه الصين وما يلحق بهذا الميل من اندفاع أمريكى نحو تصعيد المواجهة معها والانشغال بتدبير سلاسل استفزاز لجرها لحرب قبل أوانها، وفى تقديرنا أن الجنوب مقدر له، إن أحسن الاستعداد، لعب دور فى وقف هذا التدهور المتسارع فى العلاقات بين الدول العظمى.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن والعالم تحت أضواء الحرب فى أوكرانيا نحن والعالم تحت أضواء الحرب فى أوكرانيا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab