قام المهندس حم إيونو- مهندس الهرم الأكبر- في البداية بتهيئة الأرض، ونعتقد أن تلك المهمة قد تستغرق بضع سنوات، تتم خلالها الأعمال التمهيدية والتحضيرية لبناء الهرم مثل التسوية والتأسيس وبناء الميناء والرصيف الخاص بالإمدادات. وكما أوضحنا من قبل، فإن اختيار الموقع كان يجب أن تتوافر فيه بعض الشروط المهمة؛ كأن يكون قريبًا من الوادى، وأن يكون متصلًا بقناة مائية تربطه بالنيل، وتنتهى عند ميناء الإنزال الموجود بجوار المجموعة الهرمية، كذلك كان يجب أن يكون موقع بناء الهرم بالقرب من محاجر الحجر الجيرى المحلى. لذلك كان لابد أن يقوم رئيس كل أعمال الملك (المهندس الملكى) بإعداد كل الترتيبات لنقل الأحجار سواء من الهضبة أو تلك التي يتم جلبها من خارج الهضبة مثل أحجار الجرانيت والبازلت والحجر الجيرى الجيد. كذلك كان يجب إعداد المكان الذي سوف يعيش فيه العمال الموسميون، وكذلك قرية العمال الدائمين، بالإضافة إلى إعداد جبانة تخص العمال، الذين يلاقون حتفهم خلال سنوات بناء الهرم. وقد كان على رئيس كل أعمال الملك كذلك مهمة التواصل مع كل العائلات الكبيرة في الصعيد والدلتا والتنسيق معهم لإرسال العمال للعمل في نقل الأحجار، وكذلك إرسال الإمدادات الغذائية من ماشية وأغنام وحبوب وخضروات؛ الأمر الذي كان يستلزم دقة وانضباطًا وحزمًا في إدارة تجمعات العمال، ومعرفة واجب كل عامل ومشرف وإنجازه بالشكل المطلوب.
نعود إلى تسوية الأرض لاستقبال أحجار الأساس؛ كان المصرى القديم، بعد أن ينتهى من ضبط زاوية المربع الخاص بقاعدة الهرم وتسوية الأرض، يبدأ في القطع في الصخر حتى يتم عمل القاعدة من الصخر تمامًا، وقد يصل ارتفاعها إلى حوالى سبعة أمتار، كما هو الحال في قاعدة هرم الملك خوفو.
وبلا شك، فإن حجم الهرم هو الذي يحدد كمية الأحجار التي تُستعمل في البناء. وبلا شك، فإن أهرامات الجيزة ودهشور فقط- أي أهرامات الأسرة الرابعة- هي التي استهلكت كميات وأعدادًا مهولة من الأحجار؛ تجعل من الممكن أن نطلق على مصر في ذلك الوقت اسم «دولة الحجر». ويُعتقد أن هرم الملك خوفو يبلغ ارتفاعه ١٤٦.٥ متر، وقد استُعملت في بنائه كمية من الأحجار تخطّت ملايين الأطنان. وقد تم جلب الحجر الجيرى المحلى لبناء جسم الأهرامات الثلاثة من منطقة هضبة الجيزة نفسها. أي أن جسم الهرم قد بُنى من الحجر المحلى، وهو الحجر الجيرى الأبيض المائل إلى الحمرة. أما أحجار الكساء الخارجى فكانت من محاجر الحجر الجيرى الملكية بمنطقة المعصرة بطرة، فيما عدا هرم الملك منكاورع بالطبع، والذى كان مخططًا له أن يتم كساؤه بالحجر الجرانيت الوردى من محاجر أسوان. ولقد أكد لنا المفتش مرر من خلال بردية وادى الجرف التي تحدثنا عنها من قبل أنه كان مكلفًا بنقل حجر كساء هرم الملك خوفو من المحاجر الملكية بطرة. كذلك كانت كتل الجرانيت تأتى عن طريق النيل من أسوان. وقد استُخدم الجرانيت لعمل توابيت الملوك كما بُنيت حجرة دفن الملك خوفو من الجرانيت، وكُسى المدماكان السفليان لهرم خفرع من الجرانيت، وكذلك ثلثا هرم منكاورع (١٧ مدماكًا). ويُعتقد أنه قد تم قطع حوالى ٥٠٠٠ متر مكعب من الجرانيت من أسوان خلال عصر الدولة القديمة.
كان عمال المحاجر يعملون بطريقة فتح أنفاق، حيث يقومون بعمل كهوف كبيرة، يصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار، وعمقها إلى خمسين مترًا، وذلك في صخر المحجر. وكانت الأجزاء الصخرية المتبقية تُترك في المكان عند استخراج الحجر لكى تكون بمثابة أعمدة لتدعيم السقف، ولدينا خريطة لوادى الحمامات مرسومة على بردية، تُظهر عملية قطع الأحجار، والتى تعود إلى الأسرة العشرين، وموجودة حاليًا بمتحف تورين.
كانت الكتل الحجرية تُوضع على زلاجات من الخشب يجرها زوج أو ثلاثة أزواج من الثيران، حسب حجم الحجر، ويُعد لذلك طريق مُمهَّد ومُعبَّد. وكان يتم إحضار الألباستر من محاجر حاتنوب في مصر الوسطى، وذلك لعمل أرضيات المعابد، ونحت التماثيل. أما البازلت فهو متوفر في مواقع عدة، مثل الفيوم والواحات، ويُستخدم كذلك في رصف أرضيات المعابد، كما هو الحال في المعبدالعلوى للملك خوفو. أما عن أهرامات الدولة الوسطى فقد بُنيت معظمها من الطوب اللبن، وهذا يدعونا إلى الاعتقاد أنه قد تم جلب كميات ضخمة من التربة الطينية من وادٍ قريب من هذه الأهرامات.
كانت عملية نقل الأحجار تتم عن طريق قناة جنوب غرب النيل مباشرة. وأُطلق على هذه القناة اسم «القناة العظيمة». وكان المصريون القدماء قد قطعوا نهرًا موازيًا لنهر النيل، لا يزال موجودًا على الخرائط حاليًا، ويُعرف باسم بحر «اللبينى»، كان متصلًا بهذه القناة، التي يُعتقد أنها حُفرت خلال عصر الأسرة الأولى، وكانت تمتد بطول ٢٢٠ كم، وقد تغير اتجاهها ناحية الغرب إلى واحة الفيوم لكى تصب في النهاية في بحيرة مريوط بالقرب من الإسكندرية، ثم بعد ذلك في البحر المتوسط. ولقد عُثر على الموانئ المتصلة بالقنوات في الجيزة، حيث عثرنا على ميناء الملك خوفو أثناء قيام بعض الأهالى ببناء منطقة سكنية؛ وكانت جدران الميناء مبنية بالبازلت. وكان هناك ميناء خاص بهرم خوفو أمام معبد«أبوالهول» ومعبدالوادى للملك خفرع بالجيزة. وقد حدد العالِم الفرنسى جويون أيضًا موانئ هرمى الملك ونيس والملك بيبى الثانى بسقارة.
كان المصريون القدماء يحضرون الديوريت لعمل التماثيل من الصحراء الشرقية، أو من المحاجر الواقعة غرب أبوسنبل، وكذلك كانوا يأتون بحجر الأردواز من وادى الحمامات بالصحراء الشرقية. وكانت هذه الأحجار تُجلب عن طريق بعثات ملكية يترأسها قائد من الجيش. وعرفنا- من النقوش التي عُثر عليها في حاتنوب بمصر الوسطى- أنهم كانوا يقطعون الأحجار، ويعمل في تلك المهمة فرق تتراوح ما بين ٣٠٠ و٦٠٠ رجل.
ويبدو أن جودة المحجر كانت على رأس أولويات العمال بُناة الأهرام، حيث إن جودة حجر الأساس هي أساس نجاح المشروع.
وإلى الجنوب من هرم خوفو بنحو ٣٠٠ متر، يقع المحجر الذي أُخذت منه أحجار نواة الهرم. وكان الجزء الأعمق من المحاجر يصل إلى نحو ٣٠ مترًا من السطح!، وهو ما دعا عمال الأسرة الرابعة إلى إزالة نحو ٢٧٦٠.٠٠٠ متر مكعب من الأحجار. وعلى الرغم من أنه قدر أكبر من كتلة الهرم نفسه، فإنه غير كافٍ، خاصة مع إهدار نحو ٣٠٪ من الأحجار في شق قنوات بالمحجر. وتمتد المحاجر إلى مسافات غير معلومة إلى الجنوب من الطريق الصاعد لهرم الملك منكاورع، حيث قام العالِم المصرى الكبير الراحل عبدالعزيز صالح بعملية تنظيف المنطقة الغربية من المحجر أثناء حفائر جامعة القاهرة عام ١٩٨٠. وكانت أغلب الأحجار قادمة من الوادى الأوسط نفسه، الذي تبلغ كتلته نحو ٤٤٠٠٠٠٠ متر مكعب، وهناك وفرة في أحجار محاجر الجيزة تكفى نواة الأهرامات الثلاثة، حيث تبلغ نحو ٢٢٢٠٠٠٠ متر مكعب، دون النظر إلى المحاجر الأخرى، التي تخص هرمى الملكين خوفو ومنكاورع، واللت تم تحديد مكانها أيضًا في منطقة الجيزة. وحتى حفائر القرن العشرين، كانت ملايين الأمتار المكعبة من ألواح الحجر الجيرى والجبس والطفلة تملأ المحاجر الواقعة جنوبى الطريق الصاعد للمك خفرع، وأغلب تلك الأحجار هي بقايا استخدمها العمال في المحجر أثناء عملية بناء هرم الملك خوفو.
ويظهر الطرف الغربى دائمًا فوق السطح، لكن بسبب انحدار أغلب أجزاء المحجر، فإن أغلب المكتشفين أمثال العالِم الإنجليزى فلندرز بترى، اعتقدوا أن أحجار الهرم قد جُلبت عن طريق نهر النيل، وعندما قام أيضًا العالِم الكبير سليم حسن بإزالة الركام في الفترة من ١٩٢٠- ١٩٣٠ نجح في اكتشاف الرفوف الصخرية، التي تبلغ نحو ١.٥ متر في الارتفاع، وهى التي تركها العمال أثناء عملية نحت الأرض وفصلها عن أحجار نواة الأهرامات. وعلى السطح وبجوار الرفوف، عُثر على قنوات ضيقة نُقرت لكى تحدد عرض الكتل التي تم حفرها. ويوجد بين حوض المحجر إلى الجنوب مباشرة من هرم الملك خوفو و«أبوالهول» مساحة مثلثة تضم عدة مقابر منقورة في حجر الأساس، بعضها حُفر أسفل مساحات مستطيلة تفصلها ممرات تُعرف في المعمار المصرى باسم «مصاطب»، وهى التي قام عمال الأسرة الرابعة ببنائها في مراحل مبكرة خلال إعداد سطح المنطقة من أجل حفر كتل البناء. وفى محاجر خوفو كانت المصاطب مستهلكة، حيث قام العمال بأخذ أحجار بطول الركام الموجود، ولكن إلى الجنوب الغربى من «أبوالهول» لم يستثمروا الصخر بشكل كبير. وقد تم تقسيم كل أحجار الأساس عن طريق قنوات ضيقة كافية لمرور شخص واحد، كما أن هناك أماكن قام العمال بفصلها، ثم هجروا كتلتها، التي قد تبلغ نحو عدة أطنان ضمن أساسات جدران معابد خفرع.
أما محاجر منكاورع فكانت على شكل حدوة حصان ذات أطراف عميقة عند الهرم، وتقع إلى الجنوب الشرقى منه. ويمكن ملاحظة الفجوات الضخمة التي خُصصت لوضع الروافع المثبتة، التي حددت روابط طرق النقل المنقورة في صفوف ذات طبقات أخف من الحجر الجيرى. وقد قام عمال المحاجر بفصل الكتل من جهات ثلاث كما يتم شقها ورفعها.
وقد أصبحت محاجر طرة المخصصة لأحجار كساء الهرم بمثابة أروقة تضم أفضل طبقات الحجر الجيرى الجيد على عمق الجرف. ومن أجل تتبع أحجار الأساس ذات الجودة المثلى، قام عمال المحاجر بعمل شقوق من داخل وأسفل الكتل الضعيفة لعمل محاجر غائرة مستقيمة مغطاة. وقاموا بالعمل في الرفوف الأساسية بطول ما يمكن اعتباره سقف الرواق، ثم قاموا بنقر الأحجار في شكل مدرجات كما فعلوا في قاع محاجر الجيزة. أما محاجر أسوان، التي تبعد نحو ٩٣٣ كم جنوبى الجيزة، فكانت مصدرًا للجرانيت المستخدم في عمل حجرة دفن الملك خوفو، وكذلك كساء معابد هرم خفرع وكساء هرم منكاورع، ولنحت أعمدة معابد أهرامات الأسرتين الخامسة والسادسة، بالإضافة إلى الأبواب الوهمية، وموائد القرابين، وبعض الهريمات. ويُعتقد أن عمال الدولة القديمة قد شكلوا حجر الجرانيت الطبيعى، الذي وجدوه عند الجندل الأول بأسوان، حيث إن تشكيل الجرانيت أصعب من الحجر الجيرى، ولكن القطع الجرانيتية الكبرى، التي أدخلها العمال ضمن عوارض أسقف حجرة دفن خوفو، وفى حجرات تخفيف الضغط التي تعلوها، أو عمل أعمدة المعابد خلال الدولة القديمة، قد تصل إلى ٥.٥ متر في الطول وتزن نحو ٦٠ طنًّا!، ومن المحتمل أنه كان يتم فصلها من محاجرها بنفس تكنيك فصل كتل الحجر الجيرى؛ وذلك عن طريق شق قنوات بالصخرة الأم، وإن كان في الجرانيت يجب شق القنوات باستخدام مطارق حجرية من الديوريت أو الدولميت، وذلك طيلة العصور الفرعونية. مما لا شك فيه أن مهام بعثات قطع ونقل الأحجار، خاصة من محاجر الجرانيت، كانت هي الأصعب خلال عملية بناء الهرم.