بقلم: دكتور زاهي حواس
حققت مراسم الزواج الأسطورى للملياردير الأمريكى آنكر جين فى مصر دعاية عالمية فى كل الأوساط الدولية، خاصة أنه قد اختار مصر لكى يتم فيها مراسم الزفاف وبين آثار الفراعنة. بدأت القصة منذ ما يقرب من خمسة عشر عاماً، عندما جاء الملياردير الأمريكى من أصل هندى نافين جين وزوجته آنو ومعهما ولدان أحدهما هو آنكر جين، ومعهما أختهما الصغيرة. طلبت العائلة مقابلتى وقمت بالشرح لهم فى منطقة الأهرامات. ولم يحدث اتصال بعد ذلك مع العائلة. وعندما تم ترتيب برنامج محاضرات ضخم لى فى عدد 23 مدينة أمريكية؛ قامت الشركة المنظمة للمحاضرات بعمل دعاية ضخمة فى المجلات الأمريكية الشهيرة مثل الـ «تايم» وغيرها، وفى المنصات التليفزيونية أيضاً مثل الـ «السى إن إن». وقد وصل إلى أسماع آنكر خبر محاضرتى فى مدينة نيويورك ووجدته يتصل ليتفق معى على أن يقيم حفل استقبال كبيرا لى فى المدينة دعا إليه العديد من رجال الفن والثقافة والصحافة ورجال الأعمال، وحضره عمدة نيويورك. والغريب أنه اعتذر عن عدم الحضور للمحاضرة لانشغاله، ولكنه اتفق معى على أن يحضر هو وصديقته أريكا المحاضرة التى سألقيها فى مدينة بوسطن، وكانت هى المحاضرة الأخيرة على جدول محاضراتى قبل عودتى الى مصر، وقد حدد لها يوم 30 يونيو 2023. وخلال هذه اللقاءات اتفقت معه على زيارة مصر. وعندما جاءا قمت بشرح الهرم وأبو الهول وسافرت معهما إلى الأقصر، وقاما بزيارة المدينة الذهبية، وبعد ذلك ذهبا إلى وادى الملوك. وفى القاهرة قمت بعمل حفل عشاء على شرفهم وخلال الحفل قالت أريكا إنها تود أن تتزوج وتقيم حفل زفافها فى مصر. وهنا تدخل آنكر موجهاً الحديث إلىّ قائلاً: «وأنا أريدك يا دكتور حواس أن تكون my best man (الأشبين)» ففى حفلات الزفاف دائما يختار العريس شخصا من أصدقائه لكى يكون بجواره ويمثل أهم صديق للعريس. وقلت لهما لو تم الزفاف فى مصر فسوف يكون زفافاً أسطورياً! وبالفعل قاما باختيار شركة مصرية لكى تقوم بإعداد كل ما يخص مراسم الزواج، وقررا أن يكون الاحتفال على مدار أربعة أيام كاملة، وقام آنكر بدعوة 150 شخصية عالمية من أغنى أغنياء أمريكا ومنهم الصحفيون، ومحافظ تكساس السابق وكان أيضا وزير الطاقة بالإضافة إلى شخصيات سياسية واقتصادية كبيرة. وعندما قابلتهم لأول مرة كنت سعيدا جدا أن هذه الشخصيات العالمية سوف تزور مصر لأول مرة.
بدأت الرحلة بأن قام آنكر بدعوة الجميع لرحلة سفارى فى جنوب أفريقيا. وسافرا من أمريكا بطائرة خاصة إلى جوهانسبرج. وأنا سافرت على الطيران الإثيوبى إلى نفس المدينة. وهناك تقابلنا مع كل المدعوين. وفى اليوم التالى أخذنا طائرات خاصة إلى محمية السفارى. وهناك مكثنا أربع ليال. وحقيقة فإن الناس فى جنوب إفريقيا يحافظون على السائحين ويعاملونهم معاملة رائعة. أولاً هناك اهتمام كبير جدا فى الحفاظ على البيئة والمحميات الطبيعية، وهى عبارة عن غابات تصل مساحاتها إلى حوالى 65.000 فدان تقريباً ويعيش داخلها كل أنواع الحيوانات فى حرية تامة. وداخل هذه المحميات لا ترى طريق أسفلت واحدا بل تسير عربات السفارى التى يقودها سائق ودليل على طرق رملية لا يزيد عرضها على خمسة أمتار فقط. وتسمح بمرور عربة واحدة، أما إذا كان هناك سيارة قادمة فى الاتجاه المعاكس؛ فتقف الأولى على الجانب حتى تمر الأخرى. وداخل كل محمية يوجد فندق واحد أو ثلاثة على الأكثر مبنية من الخشب والطين بحيث لا ترى الفندق من بين الأشجار، ويكون متفاعلاً مع البيئة. ولا يوجد ما يؤذى العين، فليس هناك باعة جائلون فى أى مكان بل هناك بيت واحد لبيع الهدايا التذكارية داخله عدد من الباعة يقومون ببيع منتجات السفارى. ولا تجد زيادة فى الأسعار، أو شخصا يجبرك على الشراء منه! هناك احترام كامل ولم أجد فندقا ضخما ظاهرا للعيان أطول من الغابات كما نرى فى مناطقنا السياحية، ولا ترى داخل المحطات التى تقف عليها سيارات السفارى أى مبنى بل السائحين داخل السيارات يشاهدون الطبيعة والحيوانات. وتتم الزيارات إما فى الصباح الباكر أو فى المساء. وقمنا بأكثر من جولة حيث إننا لا نرى كل الحيوانات فى جولة واحدة؛ فلم نر الأسد الا فى الجولة الرابعة! وهناك شاهدنا الأفيال والزراف والأبقار الوحشية وأفراس النهر والضباع والغزلان والحمار الوحشى. ويكون سائق العربة ومعه شخص آخر يقف على قمة العربة يقوم بالشرح ولا يطلب منك أى شىء المهم هو أن تكون لديك معلومات كاملة عن السفر وعن الحيوانات. وكانوا يقيمون حفلات ليلية نشاهد من خلالها رقصات وأغانى جميلة من البيئة.
وفى اليوم الأخير للعودة كان هناك اتفاق مع مصر للطيران على أن تأتى طائرة خاصة تم استئجارها لكى نستقلها من جنوب إفريقيا إلى مصر، ولكن لم تستطع مصر للطيران الحصول على تصريح بالنزول للمطارات. وكان المفروض أن نصل إلى مصر فى الحادية عشرة صباحا لأن مساء ذلك اليوم كان هناك أول حفلة داخل قصر محمد على بالمنيل. ولكن وصلت الطائرة فى الواحدة صباحاً. ولكن مسؤولى صالة أربعة فى المطار وخاصة الدكتور ماجد استطاع أن يقوم بالإجراءات المطلوبة لكى يخرج المدعوين من المطار لحضور أول حفل لمراسم الزواج بقصر محمد على. وصل آنكر العريس وعروس أريكا والمدعوون إلى قصر محمد على واحتفلوا جميعا حتى الصباح وتم عمل ديكور على أعلى مستوى لم يتم عمل مثله إطلاقاً. وهناك غنى المطرب الشهير الذى جاء ضمن المدعوين وهو Robin Thicke والذى يطلق عليه أيضا Mr Wonder ونعرف برنامجه الشهير Shark Tank الذى يذاع حالياً فى أكثر من 42 بلدا.
وفى اليوم التالى حضر المدعوون وتم تقسيمهم إلى مجموعتين؛ الأولى دخلت هرم الملك خوفو بعد المواعيد الرسمية بعد دفع الرسوم، والمجموعة الأخرى زارت أبو الهول وبعد ذلك ذهبت مجموعة أبو الهول إلى الهرم، والعكس. وقابلت المجموعة التى كانت داخل الهرم وشرحت لهم ماذا يحدث فى مصر وخاصة الأشياء التى تبهرهم مثل البحث عن مومياء الملكة نفرتيتى وابنتها عنخ اس ان آمون من خلال استعمال الحمض النووى DNA. وهذا المشروع تموله قناة ناشيونال جيوغرافيك. وبلا شك فإن الكشف عن مومياء الملكة نفرتيتى سوف يبهر العالم كله، لأن نفرتيتى دخلت قلوب العامة فى كل مكان. وتحدثت معهم عن أسرار هرم الملك خوفو وعن الأبواب السرية الموجودة فى داخل الهرم وعن البعثة العلمية التى تجرى أبحاثها باستخدام أجهزة علمية على مستوى عال، وقامت فى الشهور القليلة الماضية باكتشاف هام جدا وهو عبارة عن ممر طوله سبعة أمتار وعرضه متران وسقفه على شكل جمالونى. وهذا الكشف يعتبر من أهم ما كشف داخل الهرم حتى الآن. هذا وتحدثنا عن الاكتشافات التى تثبت أن المصريين هم بناة الأهرام، وخاصة كشف مقابر العمال الذى يثبت للعالم كله أن بناة الأهرام كانوا مصريين لأن كل الأسماء التى عثر عليها حتى الآن داخل المقابر هى أسماء مصرية. وكذلك تثبت أن الأهرامات لم تبن بالسخرة لأنهم لو كانوا عبيدا لما دفنوا بجوار الهرم! ولن يعدوا مقابرهم للعالم الآخر مثل الملوك والنبلاء. بالإضافة إلى أن الهرم كان المشروع القومى لكل المصريين. وكانت العائلات الكبيرة فى الدلتا والصعيد تقوم بإرسال العمال للمشاركة فى بناء الهرم، وبالتالى يتم إعفاؤهم من الضرائب. أما الكشف الثانى الذى تحدثت عنه فهو بردية وادى الجرف التى عثر عليها فى سيناء وهى عبارة عن تقرير من رئيس العمال الذى يسمى «مرر» يشرح فيه عملية قطع الأحجار من طره. ويعطينا معلومات لأول مرة عن بناء الهرم. ثم تحدثنا عن أسرار أبو الهول وعن الأنفاق الأربعة التى تم كشفها داخل جسم أبو الهول وعن البحث أسفل أبو الهول، وأكد أن أبو الهول صخرة صماء. سألنى المدعوون عن زيارة الرئيس أوباما وكذلك عن زيارة بيونسيه وشرحت لهم عن سبب طردى لهذه المطربة من أمام أبو الهول لأن حارسها قام بضرب المساعدة التى كانت تصور، وهى تابعة للمجلس الأعلى للآثار فلم أجد أمامى إلا طردها هى والحارس.
وفى المساء توجهنا إلى حفل أسطورى داخل المتحف المصرى الكبير حول تمثال الملك رمسيس الثانى وكان هذا هو حلم كل الضيوف أن يدخلوا المتحف، وبعد ذلك قدمنى آنكر وقدمت له هدية الزواج وهى أعظم كتاب عن توت عنخ آمون وزنه يصل إلى 25 كيلو. وليس له مثيل ويباع بأربعة آلاف دولار. وقلت للعروسين هذا الكتاب ليس هدية منى فقط لأننى مؤلفه لكنه هدية من كل المصريين لإقامتكما حفل زفافكما فى مصر. وقدمت لهما كتابا آخر لكنه للأطفال عن الملك رمسيس الثانى وقلت هذا لابنتكما القادمة واسمها ميريت. وفى اليوم الثالث تم حفل الزواج فى ساحة الصوت والضوء ووقف العريس والعروس على منصة وأنا فى الجانب الآخر وقد رحبت بالضيوف وقلت لهم «الآن أنتم أمام أعظم أثر فى التاريخ من عجائب الدنيا السبع». وبعد ذلك سألت أريكا أن تقص علينا قصة حبها للعريس وكيف التقيا لأول مرة ونفس السؤال إلى العريس، وذكرت لهما أن الملوك خوفو وخفرع ومنكاورع يقدمون لهم التحية ويتمنون لهما «عنخ ودجا سنب» أى «الحياة الرفاهية والصحة». وذهبنا بعد ذلك للاحتفال جنوب الهرم حتى الصباح وفى اليوم الأخير تم اللقاء على الغذاء فى قصر ملكى داخل جزيرة الذهب.
وهنا أود أن أوضح أننا لو صرفنا ملايين الدولارات فلم نكن لنحصل على دعاية بهذا الشكل الرائع. فهذا الزواج الأسطورى دخل كل بيت فى العالم كله وكتب كل من حضر هذا الزواج على صفحاتهم أنهم لن ينسوا أى لحظة من اللحظات التى قضوها فى مصر. ولن أنسى ما قامت به شركة vertex من تنظيم على أعلى مستوى ودور شرطة السياحة والآثار، وكذلك مطار القاهرة والجمارك برئاسة الدكتور ماجد موسى رئيس الإدارة المركزية للمطار. وكذلك وزير السياحة والآثار أحمد عيسى والأثرى أشرف محيى مدير منطقة الهرم. وفى نفس الوقت مستوى الخدمة من الأكل والمشروبات التى يقدمها الفورسيزون جاردن سيتى. وهنا أود أن أشير إلى دور الموظف رونى جاد الرب الذى تجده شعلة من النشاط يجرى فى كل مكان لكى يتأكد أن الخدمة رائعة ولذلك أحيى هذا الرجل الذى حصل على وسام الحب من كل الضيوف. الزواج الأسطورى الذى تم فى الأيام الماضية أثبت أن مصر تستطيع أن تقدم الجمال والحب والمواقع الأثرية والقصور فى صورة رائعة