بقلم : مشاري الذايدي
كما أن الثورة «الترمبية» خضّت المشهد السياسي خضّاً داخل أميركا وخارجها، فقد فعلت ذلك أيضاً في المشهد الإعلامي، وطرحت بشكل «وجودي» دور الصحافة وحرية الإعلام وصلاحيات الصحافي، من جديد على طاولة التشريح والتصحيح.
قبل أيام احتفل الرئيس الأميركي دونالد ترمب بقرار قاضي المحكمة الجزئية باستمرار مؤقت لحظر فرضه البيت الأبيض على حضور مراسل وكالة «أسوشييتد برس» للمؤتمرات الصحافية الحصرية والسفر على متن الطائرة الرئاسية؛ بسبب استمرار الوكالة في استخدام «خليج المكسيك» بدلاً من الاسم الجديد الذي أمر به ترمب وهو «خليج أميركا». ووضع المكتب الصحافي بالبيت الأبيض شاشات كبيرة في قاعة برادلي المخصصة للإحاطات الصحافية تحمل كلمة «النصر»، وتحتها عبارة «خليج أميركا».
بيان البيت الأبيض ردّ على من وصف عمل ترمب وإدارته بالاعتداء على حرية الصحافة بالقول إن اصطحاب الصحافيين في الطائرة الرئاسية أو دعوتهم للمكتب البيضاوي «هو امتياز مُنح للصحافيين، وليس حقاً قانونياً».
لكن هذه مجرّد حيلة قانونية، وتصريفة بلاغية، وحَيدَةٍ عن الموضوع الأصلي، وهو العلاقة بين الصحافة والحكومة في الدولة الأميركية الحالية.
سارعت جمعية مراسلي البيت الأبيض، التي تمثّل مئات من مراسلي البيت الأبيض، لإصدار مذكرة دعم لوكالة «أسوشييتد برس» قدّمتها للمحكمة.
كما أن المتحدثة باسم الوكالة، لورين إيستون، تعهّدت في بيانها: «سنواصل الدفاع عن حق الصحافة والجمهور في التحدث بحرية دون انتقام من الحكومة... هذه حرية أميركية أساسية». هذه ليست أول معركة يكسبها ترمب وفريقه ضد الصحافة الأميركية «الليبرالية الجامحة» فعدوته الأساسية - أو التي كانت كذلك - صحيفة «واشنطن بوست» حذفت افتتاحية كانت (تؤيد كامالا هاريس) وحُذف رسمٌ كاريكاتوري من الصحيفة يظهر أباطرة الإعلام، بمن في ذلك مالك الصحيفة جيف بيزوس، وهم يحملون أكياساً من النقود قرابين أمام تمثالٍ لترمب. وخلال الأسبوع الماضي، ألغت صحيفة «واشنطن بوست» إعلاناً يحث الرئيس على إقالة إيلون ماسك.
الحال أن حرب ترمب والترمبيين مع الميديا الأميركية، ومع المجتمع الليبرالي الجامح في هوليوود وكثير من الجامعات الأميركية، ليست حديثة، نتذكّر بهذا الصدد أن ترمب هو من نحت النبْز الشهير ضد الفضائيات والصحف الأميركية: «الأخبار الزائفة» (فيك نيوز) وجعله وصمة عليهم، كان ذلك في حقبته الأولى.
اليوم يحصد الصحافيون الأميركيون، ما زرعته حماستهم واندفاعهم الأعمى، أما رجال الأعمال، وكبار الحيتان، من مُلَّاك هذه الصحف أو الفضائيات أو منصات السوشيال ميديا، فكلهم، يريد أن يصبح مثل زميلهم إيلون ماسك، حبيب القلب الترمبي، ولا عزاء للصحافيين أو نشطاء هوليوود.
هل هذه لحظة «فشّ خلق» وتذهب لحال سبيلها، حين تقلّل الصحافة من زعيقها وفرط حركتها في النشاط السياسي؟! أو هي تأسيسٌ لمرحلة جديدة دائمة من طبيعة دور الصحافة وخلق أدوات، بل ومفاهيم، جديدة؟!
حتى الآن..لا ندري.