الاتفاق على إنَّ شوقي شاعر الأخلاق

الاتفاق على إنَّ شوقي شاعر الأخلاق

الاتفاق على إنَّ شوقي شاعر الأخلاق

 العرب اليوم -

الاتفاق على إنَّ شوقي شاعر الأخلاق

بقلم - تركي الدخيل

يُقال إنَّ شاعراً لم يتوافرْ شعرُه على الدعوةِ إلى الأخلاق، مثلَ أميرِ الشعراء، أحمد شوقي، قيلَ: إنَّ بيتَه الشهير عن الأخلاقِ، هو ديوانٌ من الشعر، تَتجلَّى فيه حكمةٌ أزليةٌ، قوامُها أنَّ الأخلاقَ هي أساسُ حياةِ الأمم، وسبيلُها إلى العظمةِ والمجد، وأنَّ رقيَّ الأممِ مرتبطٌ بزيادة أخلاقِها، وعلى العكسِ من ذلك، فإنَّ اضمحلالَ الحضاراتِ والأمم، مقترنٌ بتخلّيهَا عن الأخلاق، وفي البيت:
وإنَّمَا الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقُهم ذهبُوا
ويقول:
وإِنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ فإِن تَوَلَّتْ مَضَوْا في إِثرِها قُدمَا
فمَا على المرءِ في الأخلاقِ من حَرَجٍ إِذَا رعَى صلةً في اللهِ أو رَحِمَا
وهذا المعنى مستفيضٌ منتشرٌ في شعر أحمد شوقي، حتى أُطلقَ عليه لقب: «شاعر الأخلاق»، فمن حثِّه الدؤوبِ على مكارم الأخلاق، قوله:
وإذا أُصيبَ القومُ في أَخلَاقِهِم فَأَقِم عَلَيهِم مَأْتَمَاً وَعَوِيْلَا
وإذا زعمَ بعضهم أنَّ التسلحَ وسيلةُ النصر، اشرأَبَ شوقي، مفنداً هذا الزعمَ، فقال:
ومَا السِلَاحُ لِقَومٍ كُلَّ عُدَتِهِم حَتى يَكُونُوا مِنْ الأَخْلَاقِ فِي أُهبِ
يقول شوقي مادحاً النبي عليه السَّلام:
بَنَيتَ لَهُم مِنَ الأَخلاقِ رُكناً فَخانُوا الرُكنَ فَانهَدَمَ اضطِرابَا
وَكانَ جَنابُهُم فيها مَهيباً وَلَلأَخلاقِ أَجدَرُ أَن تُهابَا
رُويَ في الأثر: «إنَّ لكلِّ مُسِيءٍ توبةً، إلا صاحبَ سوءِ الخُلُقِ؛ فإنَّه لا يتوبُ من ذنبٍ إلا وقعَ في شرٍّ منه»!
لذلك رأى شوقي أن ركنَ العز في المُلك هو البناء الأخلاقي:
على الأخلاقِ خُطُّوا المُلكَ وابنُوا فليس وراءَها للعِزِ رُكنُ
وكما تأثَّر بالصحف التي جعلها آيةَ زمانه، عدَّ شوقي (مانشيت) صحيفةِ المجد والشرف الرفيع، وعنوانها الرئيس، هو الأخلاق، إذ قال:
المجدُ والشرفُ الرفيعُ صحيفةٌ جُعلَت لها الأخلاق كالعنوانِ
والخُلُقُ هو أُسُّ البنيان عند شوقي، فإذا أصابَه الوهي تخلخل الأساس، وكيف يقوم بنيان بلا أساس؟:
وإذا ما أصاب بُنيانَ قوم وَهيُ خُلقٍ فإنه وَهيُ أُسِّ
وكثيراً ما يربط أمير الشعراء بين صلاحِ الناس، وصلاح الأفرادِ بالتزامهم الأخلاقَ، فيقول:
كذا الناسُ بالأخلاقِ يبقَى صلاحُهم ويذهبُ عنهم أمرُهم حين تذهبُ
وأجمِلْ بقوله:
صلاحُ أمرِك للأخلاقِ مَرجعُه فقوِّم النفسَ بالأخلاقِ تستقِمِ
والنفسُ من خيرها في خيرِ عافيةٍ والنفسُ من شَرِها في مَرتَعٍ وَخِمِ
وبرأيه، فجراحُ السيوف تَبْرَأ، خلافاً لعثرات الأخلاق:
ولقد يُقامُ من السيوفِ وليس مِن عثراتِ أخلاقِ الشعوبِ قيامُ
يقول شوقي:
وكان جنابُهمْ فيها مَهيبَا ولَلأخلاقُ أجدرُ أن تُهابَا
وليس بعامرٍ بنيانُ قومٍ إذا أخلاقُهم كانت خرابَا
وعنده أنَّ من تصبْه المصائبُ لا تقتله، إنْ سلمت الأخلاقُ من الإصابة:
ولا المصائبُ إذ يُرمَى الرجالُ بها بقاتلاتٍ إذا الأخلاق لم تُصَبِ
والأخلاق جمع: خُلُق، والخُلُقُ في اللغة: الطبع والسجية. وفي اصطلاحِ العلماء -كما ذكر ذلك أبو حامد الغزالي، رحمه الله: الخلق «هيئة في النفسِ راسخة، تصدر عنها الأفعالُ بسهولة ويسر، من غير حاجةٍ إلى فكر وروية».
قال ابن منظور: «والخُلُق الخَلِيقة أَعني الطَّبِيعة. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ، وَالْجَمْعُ أَخْلاق، لَا يُكسّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. والخُلْق والخُلُق: السَّجِيّة. يُقَالُ: خالِصِ المُؤْمنَ وخالِقِ الْفَاجِرَ. وَفِي الْحَدِيثِ: لَيْسَ شَيْءٌ فِي الْمِيزَانِ أَثْقلَ مِنْ حُسن الخُلُق؛ الخُلُقُ، بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِهَا: وَهُوَ الدِّين والطبْع وَالسَّجِيَّةُ، وَحَقِيقَتُهُ أَنه لِصورة الإِنسان الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نفْسه وأَوصافها وَمَعَانِيهَا المختصةُ بِها بِمَنْزِلَةِ الخَلْق لِصُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ وأَوصافها وَمَعَانِيهَا، وَلَهُمَا أَوصاف حسَنة وَقَبِيحَةٌ، والثوابُ وَالْعِقَابُ يَتَعَلَّقَانِ بأَوصاف الصُّورَةِ الْبَاطِنَةِ أَكثر مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بأَوصاف الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلِهَذَا تَكَرَّرَتِ الأَحاديث فِي مَدح حُسن الْخُلُقِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ: مِن أَكثر مَا يُدخل الناسَ الجنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وحُسْنُ الْخُلُقِ، وقولِه: أَكملُ المؤْمنين إِيماناً أَحْسنُهم خلُقاً، وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْعَبْدَ ليُدرك بحُسن خُلقه درجةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَقَوْلُهُ: بُعِثتُ لأُتَمِّم مَكارِم الأَخلاق».
قال الجُرجانِي في (التعريفات): «الخُلق: عبارةٌ عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئةُ بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلًا وشرعاً بسهولة، سُميت الهيئة: خُلقاً حسناً، وإن كان الصادرُ منها الأفعالَ القبيحة، سميت الهيئة: خُلقاً سيئاً، وإنما قلنا: إنَّه هيئة راسخة؛ لأنَّ من يصدر منه بذل المال على الندور بحالةٍ عارضة لا يقال: خُلقه السخاء، ما لم يثبت ذلك في نفسه، وكذلك مَن تكلَّف السكوت عند الغضب بجهد أو روية لا يقال: خُلقه الحلم، وليس الخُلق عبارة عن الفعل، فرُبّ شخصٍ خُلقه السخاء، ولا يبذل، إما لفقد المال أو لمانع، وربما يكون خلقه البخل وهو يبذل، لباعث أو رياء».وإذا كانَ البحتري يقول:
وما هذهِ الأخلاقُ إِلا مواهبٌ وإِلا حظوظٌ في الرجالِ تُقَسَّمُ
فهل صحيح أنَّ الأخلاق جبليَّة، أم أنَّها مكتسبة؟
أحسب أنَّ معروف الرصافي أجاب عن السؤال بقوله:
هي الأَخْلاقُ تَنْبُتُ كالنباتِ إِذا سُقيتْ بماءِ المكرماتِ
فكيفَ تظنُّ بالأبناءِ خيراً إِذا نشأوا بحضنِ السافلاتِ
وانتصر له جميل صدقي الزهاوي، فقال:
من البيئةِ الأخلاقُ تنشأُ في الفتى فتلكَ به في كلِّ يومٍ تؤثرُ
وهذا رأي جرير، إذ يرى أن ممارسة العادة تورّث الطبع:
تعودْ صالحَ الأخلاقِ إِنّي رأيتُ المرءَ يلزمُ ما استعادا
وكما في الحديث: «إن العلم بالتعلم، والحِلم بالتحلم»، لا يُبعِد أبو تمَّام الأخلاق عن العلم والحلم، فيقول:
فلم أجدِ الأخلاقَ إِلا تخلقاً ولم أجدِ الأفضالَ إِلا تَفَضُّلا

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتفاق على إنَّ شوقي شاعر الأخلاق الاتفاق على إنَّ شوقي شاعر الأخلاق



صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - اكتشاف تمثال يكشف الوجه الحقيقي لكليوباترا في معبد تابوزيريس

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين
 العرب اليوم - حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب
 العرب اليوم - تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 14:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم
 العرب اليوم - عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم

GMT 04:44 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا
 العرب اليوم - بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة
 العرب اليوم - روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 16:39 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

التأثير الإيجابي للتمارين الرياضية على صحة الدماغ

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 20:19 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الفنان جمال سليمان يبدي رغبتة في الترشح لرئاسة سوريا

GMT 18:20 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

بشار الأسد يصل إلى روسيا ويحصل على حق اللجوء

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

480 غارة إسرائيلية على سوريا خلال 48 ساعة

GMT 22:09 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

داني أولمو مُهدد بالرحيل عن برشلونة بالمجان

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 04:49 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الكينية تسجل 5 حالات إصابة جديدة بجدري القردة

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

استئناف عمل البنك المركزي والبنوك التجارية في سوريا

GMT 05:03 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزير الدفاع الكوري الجنوبي السابق حاول الانتحار في سجنه

GMT 12:06 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

إجلاء نحو 87 ألف شخص بعد ثوران بركان كانلاون في الفلبين

GMT 22:40 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الملك تشارلز والملكة كاميلا يصدران بطاقة الكريسماس

GMT 12:28 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

محمد رمضان يكشف أسباب تقديمه الأعمال الشعبية

GMT 05:43 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

سوريا: أفراحٌ... وهواجس

GMT 23:43 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

عائشة بن أحمد وكريم فهمي يجتمعان في فيلم دماغ ألماظ

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

قطر تعلن عزمها إعادة فتح سفارتها في سوريا قريباً

GMT 12:51 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

العربية للطيران تستأنف رحلاتها بين الشارقة وبيروت 18 ديسمبر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab