بقلم : سمير عطا الله
في بدايات التلفزيون في لبنان ظهرن برامج محلية ركيكة، لكن جمهورها لم يكن أقل ركاكة آنذاك. ومنها برنامج حمل اسم صاحبه «أبو ملحم»، يقدمه كل يوم مع زوجته، السيدة «أم ملحم».
كان البرنامج عبارة عن حوار منزلي مليء بالإرشادات والنصائح، يفتقر إلى أي نوع من الإبداع، أو الفن، ويشبه إلى حد بعيد الأقوال التي توضع على رزنامات المطابخ. فالزوجان؛ أبو ملحم في سرواله الشعبي، والسيدة قرينته، لا يريدان إزعاج أحد، أو إثارة المشاكل. ولذلك، كثرت في الحوارات المكررة عبارات من نوع «إذا سمحت» و«إذا تكرمت» و«إذا كلفت خاطرك».
العام الذي مضى، لم يكن جو بايدن ينام الليل والنهار. ولا ترك أحداً ينام. فلم يمضِ شهر لم تحلق فيه طائرة وزير خارجيته في سماء الشرق الأوسط، مخاطباً بنيامين نتنياهو بكل ما حفلت به برامج أبو ملحم من حكم وتهذيب: إذا سمحت. إذا تكرمت. رأفة بالأطفال. الحرب لا تفيد أحداً.
وكان الجواب دائماً دفعات جديدة من القتلى والدمار. لم تعرف حرب كمية التراب والحجارة التي طمر بها نتنياهو سكان البيوت، ومرضى المستشفيات، وأطفال المدارس. الرئيس الأميركي أيزنهاور كان يقول: «هناك فارق جوهري بين العاجل والمهم». لكن بايدن، العسكري هو أيضاً، لم يتوقف طويلاً عند هذه المسألة. وبرغم كل نواياه، لم يستطع أن يحقق خطوة صغيرة، لا هو، ولا الفرقة الدبلوماسية التي جنّدها في سبيل ذلك، من أنتوني بلينكن إلى آموس هوكستاين.
وانتهى الأمر على نحو لا يصدّق: 21 دولة، بينها أميركا والاتحاد الأوروبي، توجه «نداء» لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان؛ رجاء. توسلاً. رحمة. هدنة من 21 يوماً. 3 أسابيع فقط. الحرب لا تفيد أحداً، بل كل نصائح وأفكار أبو ملحم والسيدة قرينته. لا شيء.
مع 7 أكتوبر (تشرين الأول) الجديد، يبدو وكأن الشرق الأوسط قد دفن أحلام رئيس أميركي آخر. ذهب جو بايدن إلى أبعد من سواه. حاول أن يرتفع بمستوى العلاقة مع الدول العربية إلى مستوى الشراكة. وأن يعثر على حل في أرض المستحيل. حدث له ما حدث لغيره من قبل. هما تاريخان يقتربان: 7 أكتوبر وانتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني). وهو خارج كليهما. كان يقتضي له أن يستخدم الأمثولة العسكرية كما فعل أيزنهاور. القوة تنفع أحياناً إذا بالغ الآخر في استخدامها.