مريض كاش

مريض كاش

مريض كاش

 العرب اليوم -

مريض كاش

بقلم - سمير عطا الله

 

إلى ما قبل الحرب اللبنانية، كانت «سوق الطويلة» أشهر وأجمل أسواق بيروت القديمة. فيها تباع أحدث أزياء فرنسا وإيطاليا تحت قناطر من الزمن العثماني، وأيام الانتداب الفرنسي. وفي نهاية الشارع كان مَعلمان من معالم بيروت، جريدة «النهار» التي تمثل يومها الطبقة البورجوازية، ومطعم «العجمي» الذي يقدم لرجالها أشهر المأكولات.

كانت السوق ما يسمى بلغة اليوم «الترند»، أو «الترندنغ». من يشاهَد هناك فهو من أهل الوجاهة، عريقة أو حديثة النعمة، حتى من يعمل هناك ومتفوق على غيره، وكان البائع الشاطر صنو صاحب المحل أو الزبون الثري. وماذا كانت ميزة البائع الشاطر؟ أن يبيع. ألطف ما سمعت في هذا الباب يوم سألت شاباً يعمل في مخزن للثياب، ما هي وظيفته على وجه التحديد؟ فأجاب بجديّة مطلقةٍ: يأتي زبون ليشتري قميصاً أبيض، فأقنعه بشراء سترة سوداء وثلاثة جوارب وربطتيّ عنق.

البائع الشاطر كانت له شهرة ومرتبة وينادى «معلم»، بينما صاحب العمل مجرد «خواجا» أو «أفندي». و«المعلم» هو من يوزع الرتب على الزبائن حسب قدراتهم الشرائية: «البك» هي الأعلى. و«الأستاذ» هي الأكثر «حيادية». و«سيد» و«مسيو» للتمييز الطائفي. لكن أيّاً من هذه الرتب لم تصل إلى مهارة المصريين في التدليل: باش مهندس، وباشكاتب، وسعادة الباشا.

نقل اللبنانيون «معلمية» المحلات إلى جميع أنواع المعاملات. بما فيها - أو خصوصاً - الطبية منها. لكنهم يمارسون هذه المعلمية في الخارج وليس في الداخل حتى الآن. والحمد لله على الداخل، والعياذ بالله على مهارة سوق الطويلة في الخارج... العياذ بالله.

ذهبت إلى أحد مستشفيات «الخارج» لإجراء فحص عادي فدُفعت إلى الطوارئ. وقلت للطبيبة إن لا حاجة بي إلى فحوصات عادية لأنني أجريتها قبل أسبوع. قالت: الآن تدخل الطوارئ وبعدين نشوف. دخلنا الطوارئ فانقضّت علينا ثلاث فرق: فرقة قياس الضغط، وفرقة فحص الدم بالذراع اليسرى، وفرقة اليمنى، ومن بعدها أطلت فرقة الأفلام الهندية!..

وبينما أنا في هذا الخضم، قالت الطبيبة: بطاقتك النقدية لو سمحت. قلت لماذا الآن؟ قالت بالحرف، لأنك «مريض كاش»، أي بلا تأمين. قامت الفرقة الهندية بوضعي على سرير بينما غابت الطبيبة. ساعة وأنا ملقى أبحث عن أحد أقنعه بأن يأخذ الكاش ويطلق سراحي. ثم أطلّت الطبيبة من جديد. «المعلمة» الشاطرة من سوق الطويلة. وشعرت بانفراج لم يطل إلا ثواني. فقد قالت بلهجة آمرة: يجب أن ننقلك إلى الطابق الثاني. قلت، مستغيثاً، ماذا في الطابق الثاني؟ قالت «بقية الفحوصات». طلعنا إلى الطابق الثاني وطلع معنا الضغط العالي، وجيء لي بفاتورة الكاش. وعندما رأيت الرقم هبط ضغطي والبورصة وسعر الذهب. وقالت الطبيبة: موعدك غداً مع الطبيب: قلت أي طبيب؟ قالت، الذي سيشرح لك نتائج الفحوصات. قلت، ماذا عن شرح حضرتك؟ قالت: رأيان دائماً أفضل من واحد. وطبيبان، وفاتورتان، وكاشان.

arabstoday

GMT 03:07 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود

GMT 03:02 2024 السبت ,18 أيار / مايو

نهاية مصارعة الثيران

GMT 02:59 2024 السبت ,18 أيار / مايو

هل كان المتنبي فظاً؟!

GMT 02:57 2024 السبت ,18 أيار / مايو

التكلفة الباهظة للفقر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مريض كاش مريض كاش



الفساتين الطويلة اختيار مي عمر منذ بداية فصل الربيع وصولًا إلى الصيف

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 00:01 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

هل نفد الصبر المصرى من إسرائيل؟

GMT 22:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مقتل شخص وإصابة 6 في اشتباكات في غرب ليبيا

GMT 03:07 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab