بقلم - سمير عطا الله
أنا موظف عند هذه اللغة، كتابةً وشفاهاً، صبحاً ومساءً، وأحياناً عندما أفيق أرقاً في بحر الليل، فألجأ إلى القراءة أو الكتابة لكي لا أضيّع مزيداً من الوقت، وأنا أتذكر ما أضعت من وقت. أي أنها سيدتي ومعينتي وصديقتي ورفيقتي طوال اليوم والسنة والعمر. ولذلك، أحرص عليها حرص الأب والابن. وأغار عليها، أحياناً إلى درجة مضحكة. أغضب إذا وقعت على خطأ لغوي أو إملائي في جريدة أو كتاب. أو في ترجمة تلفزيونية. حتى في إعلان على الطرقات. كما هي الحال غالباً موقفي من اللغة العامية، أو المحكية، واستخدامها في أبواب غير أبوابها.
برغم كل ما تقدم لا أزال غير قادر على الغلو في النحو، أو معرفة ما إذا كان صديقاً للغة أو عدواً. وفي كل ما قرأت وأحببت وشغفت، لم أجد مرة أن حرف النون قضية تستحق كل هذا الإرهاق والتعرق. ولا عرفت يوماً لماذا «تزاد النون ثالثة ساكنة في جحنفل»، وهو «العظيم الجحفلة». ويا عزيزي ما همك أو همي إذا سكنت النون في الجحنفل. دعها براحتها. وما دام الكوفيون والبصريون لم يتفقوا على هذه المشكلة الرهيبة، فلماذا فضولك المجاني؟ وإذا توفقت إلى حل المسألة النونية في الجحنفل فماذا عنها في «رعشن»؟ وشرح الأخيرة أنه الجبان الذي يرتعش وهو – لمزيد من الشرح – من الارتعاش.
ويا مولاي، ففي باب يجوز ولا يجوز في ما اختص مرتبة النون في اللغة، فإنها في حالة التوكيد لا تستخدم إلا في الدعاء «اغفرن لزيد». قال الشاعر عبيد الله بن الحرّ الجعفي؛ متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا / تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا. أراد تتأججن؛ فحذف التاء الأصلية لدلالة تاء المضارعة عليها تخفيفاً، وأدخل النون عليها في الواجب للضرورة، ثم أبدل النون ألفاً في الوقف.
لماذا يا عبيد الله، لماذا؟ ألم يأتك قول الزمخشري: «إن هذه النون لا يؤكد بها الماضي ولا الحال ولا ما ليس فيه معنى الطلب، وطرحها سائغ في كل موضع، إلا في القسم». إذن، نبحث عن غيرها.
اللغة إنْ تحبها. وعندما تدرِّسها للأطفال لا بد أن تكون هي بمثابة الحلوى بين المواد الأخرى. النحاة كان لديهم الأطنان من الوقت. ومهن الناس كانت قليلة وحرفهم معدودة. ولذلك كان الفوز الكبير في شرح استخدام النون عند ابن قريع السعدي. أو عند سواه.