بقلم - سمير عطا الله
يقسم عبد الرحمن شلقم تاريخ الجماهيرية إلى أربعة عقود لكل منها ألوانه: عقد السبعينات الذي امتلأ بالشعارات القومية ومحاولات الوحدة. ثم عقد الثمانينات الذي سادت فيه أحداث المواجهة مع الولايات المتحدة، وغارة على طرابلس وبنغازي سنة 1980، وحرب تشاد، وسقوط طائرة «يو تي إي» الفرنسية، وطائرة «بانام» الأميركية فوق بلدة لوكربي. وما تبع ذلك من حصار وعقوبات. أما العقد الرابع فقد شهد عودة إلى الانفتاح على العلاقات الغربية، وتسوية قضية «لوكربي»، وبروز الأدوار التي لعبها أبناء العقيد، خصوصاً سيف الإسلام، الذي بدأ المرحلة كأنه برزخ الانتقال من الجماهيرية إلى الدولة الطبيعية، والمؤسسات الواضحة، ومفاهيم القانون والعلاقات الدوليّة.
كثيرون اعتقدوا أن سيف الإسلام هو الحل الأمثل لخروج آمن من شَعْبويات اللجان وعدَمياتها، من دون إثارة غضب الأب على ما يعدّهُ تراثهُ الفكري. هنا يُعطي شلقم الجواب الحاسم حول سؤال لطالما طرحهُ المشككون: هل الأخ العقيد هو مَن وضعَ «الكتاب الأخضر» أم أنهُ كُتب لهُ كما أُشيع؟ وطُرحت في هذا الباب أسماء كثيرة لكتّابٍ سودانيين ولبنانيين ومصريين، من أجل التقليل من أهمية صاحب النظرية الثالثة. يقول الدكتور شلقم باليقين إن صاحب الكتاب هو معمّر القذافي.
كما يوضحُ مسألة أخرى دارت حولها التساؤلات وهي كيفية استقبال القذافي وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس. فقد تَنَدَّرَ المُتَنَدِّرون يومها بأنهُ كتَبَ لها القصائد وحاول التغزُّل بها وأنها صرفتهُ عن ذلك.
يؤكد وزير الخارجية الليبي أن كل ذلك غير صحيح، وأن الرجل كان يدرك أهمية رايس والدور الذي لعبتهُ في سقوط الاتحاد السوفياتي، ولذلك كان يعوّل عليها وعلى نفوذها في المرحلة التي بدأها للتوّ، وهي إصلاح العلاقة مع الولايات المتحدة، بل إقامة علاقة جيدة معها في أعقاب سنين من المناوشات والشتائم ومظاهرات طرابلس التي ترفع شعار: «طظ في أميركا».
يكشفُ شلقم عن أمر في غاية الأهمية من أسرار السياسة ومفاجآتها: يقول إن أحداث سبتمبر (أيلول) 2001 وما ترتب عليها من هجوم كاسح على أفغانستان كان لها الأثر الكبير في تحول السياسة الليبية، «وبدأ الأخ العقيد يعيد حساباته تجاه أميركا. استدعاني وطلب أن أقابل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وأبلغه رسالة لينقلها إلى الرئيس جورج بوش، مضمونها رغبتنا في تطبيع العلاقات إلى أقصى الحدود بين ليبيا وأميركا، وتوسيع مجالات التعاون إلى أقصى الحدود والتفاهم على التنسيق السياسي بين البلدين في القضايا الإقليمية والدولية».
إلى اللقاء...