بقلم - سمير عطا الله
شُرفتي هي سكني معظم اليوم، معظم الأيام. وهي شُرفة في لبنان. وما أن تغيب الشمس بألوانها الأرجوانية التي حولها الفينيقيون إلى تجارة وإمبراطورية، حتى تبدأ مشاهد الوطن الأولى: خريطة من العتم وأنوار قليلة، بعكس ما كان في قديم الزمان. وبعد العتم بقليل تعلو أصوات وأضواء مفرقعات، لا أستطيع تحديد موقعها أو أسبابها. ولا أعرف من هي الفئة من المواطنين التي لا تستطيع أن تخبئ ابتهاجها وبماذا.
قبل أن تنتهي دورة المفرقعات تبدأ حفلات الرشاشات ثم تتوسع ثم تعلو. وبعد قليل سوف تبلغنا نشرة الأخبار أنها مسألة بسيطة وخلاف حول ألعاب القمار. ثم تعرض النشرة حدث اليوم: حاكم البنك المركزي يودع موظفيه ورعاياه بالأهازيج والموسيقى، فرحاً بما أنجز. وأبلغهم أنه ذاهب إلى الشاليه. يرتاح ويسبح وينام مرتاح الضمير. الذي لا ينام هو المودع الذي طمأنه سلامة إلى سلامة الليرة.
الخبر التالي في النشرة يبدأ بلعلعة الرصاص الثقيل، ثم المدافع، وبعدها يطل مشهد جثث ملقاة على الأرض. مشاهد «حيّة» من المخيمات التي لا يحق للدولة اللبنانية التدخل فيها. ثم نسمع عرضاً لما يحدث على لسان ضباط أصغرهم برتبة لواء، أي في القوات المسلحة الفلسطينية.
تلك مشكلة داخلية بين الإخوة الفلسطينيين، ولا يحق للسلطة اللبنانية سوى تلقي التفاصيل من النشرة؛ 11 قتيلاً و60 جريحاً ووساطات فاشلة. الدولة على الحياد. وهي منهمكة منذ سنة في عدم انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون الذي أطل أمس ليعلن: «لقد انتصرنا» من دون أن يشرح في ماذا، وأين، وكيف، وعلى من.
يأتي الخبر الثالث في النشرة؛ صور نساء وأطفال وحطام أكواخ في مخيمات النازحين السوريين. ما بين 1.5 مليون و2.5 مليون. صحيح أنهم على أرض لبنانية، لكنهم خاضعون للسلطة السورية والإدارة الأوروبية. وشكواهم من تقصير اللبنانيين وعنصريتهم.
يأتي بعد ذلك دور المتفرقات: رفض جبران باسيل لترشيح قائد الجيش أو سليمان فرنجية للرئاسة. رفض سمير جعجع لرفض باسيل. رفض الثنائي الشيعي لجميع الرفوض. رفض اللبناني المسحوق لهذا التشكيل النازل به، بينما الموسيقى تعزف لرياض سلامة مودعاً... مستودعيه.
يقول سعيد عقل: ومن الموطن الصغير نرود الأرض... نذري في كل شط قرانا... نتحدى الدنيا شعوباً وأمصارَا... ونبني أنى نشأ لبنانَا.
نسيت، يرحمك الله، الإذن بالدخول إلى المخيمات.