في مديح الفشل

في مديح الفشل

في مديح الفشل

 العرب اليوم -

في مديح الفشل

بقلم - إنعام كجه جي

في الطقطوقة العراقية القديمة، يعاتب المغنّي صاحبَه لأنَّه تبدّل عليه وراحَ يدور عكسَ دوران الفَلَك. يعني بعكس حركةِ عقاربِ الساعة. وهناك في الحياة أشخاصٌ من هذا النوع، وُلدوا لكي يخالفوا المألوف. يغردّون خارجَ السرب ويسيرون حاملين السلَّمَ بالعرض.

الكاتبُ والمترجمُ الفرنسي كريستوف كلارو واحدٌ من هؤلاء. لا يميلُ إلى ما يميل له الآخرون ولا يسير على هوى الجماعة. له كتاب جديد بعنوان «الفشل». أطروحة لذيذة في امتداح الخسارات وتبيان فضائلها. والكتاب بمثابة دليل يرشد القارئ إلى أفضل السبل كي يصبح فاشلاً. أي كيف ينجح في بلوغ الفشل. وكان أجدر به أن يعنونَ كتابه: «تعلّم الفشل في خمسة أيام».

هناك من المنشورات ما يمتلك جاذبية الفكرة، لكن هذه وحدها لا تكفي. يحتاج الكاتب براعة في عرضها وتقديمها. وفي موضوع كهذا لا بدَّ للدعابة من أن تكون حاضرة بين السطور. وفيما يخصُّ صاحبَ هذا الكتاب فإنَّه لا يجد حرجاً في استرجاع الأمور الكثيرة التي أخفق فيها خلال حياته. مع هذا تغيب نبرة المرارة عن النص تاركة للخاسر مشاعر المنتصر.

في مقابلة معه منشورة بمناسبة صدور الكتاب، يقول كلارو إنَّه اختار هذا الموضوع لأنَّه يعيش في مجتمع يستقبل النجاح بالإطراء أو بالإهانة. المدح والقدح. وتبعاً لهذا، فإنَّ على الأدب أن يفلتَ من هذه المعادلة القائمة على المنافسة. فالكتابة لا تعني «القول»، بل «كيف تقول» بشكل مختلف. أي المناورة والمراجعة والتنقيح وغير ذلك من فنون التحرير.

يحفظ المؤلف عبارة أثيرة للكاتب الآيرلندي صامويل بيكيت هي: «حاول مجدداً، افشل ثانية، افشل بشكل أفضل». وقد يبدو هذا «الفشل الأفضل» صيغة تنطوي على تناقض وسفسطة، لكنَّها التمرينُ الحق للكتابة. فالفشل، في أطروحة كلارو ليس درساً يتعلَّم منه الكاتب فضيلة التواضع فحسب بل هو وقبل كل شيء الاقتراب البطيء والصعب من اللغة. وهو ليس سلبياً مطلقاً وإنَّما يشكّل قوة مهنة الكتابة.

يستند الكاتب، في بعض الفصول، إلى أمثولات من سيرته الذاتية. يستعرض تجاربَ حياتية لم يفلح فيها. وهي لا تتعلَّق كلُّها بالأدب إنَّما تشمل إخفاقَه في إتقان طبخة ما، مثل فطيرة الكرز الشعبية التقليدية، أو عجزه عن إحراق الكتب التي لا تعجبه حتى لو كانت مؤلفات العنصري ميشيل ولبيك. وهو يعترف في المقابلة بأنَّ الفشل الأكبر في حياته عجزه عن الدخول في لعبة التميّز. نراه يرفض التقدم للجوائز الأدبية لأنَّه يكره فكرة المنافسة، عدا عن تأكده من هزال حظوظه في الفوز. وفي عام 2020 طلب من لجنة تحكيم جائزة «رينودو» سحبَ روايته «المنزل المحليّ» من قائمتها. كانت الجائحة قد كمَّمت الناس وأغلقت المكتبات. الحياة معطلّة والموت كثير والوقت ليس وقت جوائز.

مواقف قد تنتمي إلى نزق الشباب. لكن كريستوف كلارو تجاوز الستين. في رصيده عشرات الروايات والدراسات والترجمات عن الإنجليزية لمشاهير الروائيين العالميين. يتسلّح بشهادة عليا في الأدب وعمل مكتبياً ومصححاً في عدد من دور النشر ومحرراً في ملحق الكتب لصحيفة «لوموند». والأهم من هذا أنَّه عضوٌ مؤسسٌ في جماعة «اللامثقفون»، أي الجهلة، ومدير التحرير في دار نشر تحمل الاسم نفسه. ومن بين كل هذه الوظائف يفضّل صاحب رواية «في مديح البقرة المجنونة» تقديم نفسه بأنه صياد كنوز أدبية.

كم تبدو الأوساط الأدبية، في هذه القارة أو تلك، رتيبةً وعاقراً عندما لا يظهر فيها معتوه عاقل أدركته حرفة الأدب، أو أصابته لوثتها، يجرؤ على رمي حجر في البحيرة!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مديح الفشل في مديح الفشل



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab