بقلم - سليمان جودة
نجاح حملات المقاطعة من جانب المستهلكين فى خفض أسعار الأسماك لا يعنى أنها الحل الوحيد فى مواجهة جشع التجار.
فهذه الحملات بطبيعتها تطوعية، ومن طبيعة العمل التطوعى أن هناك مَنْ يلتزم به وهناك العكس، ولا يمكن معاقبة الذى لا يلتزم.. ولأنه عمل تطوعى فمن الممكن أن ينشط فى يوم ولا ينشط فى يوم آخر، ولذلك كله لا يمكن الرهان عليه فى ضبط الأسواق.
الأسواق تنضبط عن طريق الحكومة لا عن طريق آخر، لأن أهل الفقه يقولون إن «الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، ومعناها أن التاجر الذى يغش أو يخدع يعرف أن الدين يحرم ما يفعله، ومع ذلك فهو يفعله، لأنه يظن أن الله سيغفر له، وربما يكون هذا هو سر من أسرار رحلات العُمرة التى تتكرر ولا تتوقف على مدى السنة.
مثل هذا التاجر لا يردعه قرآن ولا حديث شريف صحيح، لكن يردعه أن يجد الحكومة بأجهزتها المعنية تقف له بالمرصاد.. فلا مجال فى مثل هذه الأمور للرهان على ضمير، ولا على دين، ولا على أخلاق.. وكثيرا ما نلاحظ أن البائع الذى يغش الناس فيما يبيعه لا يجد أى حرج فى أن يكون القرآن «شغال» فى الخلفية، بينما هو يتعامل مع المستهلكين بالغش والخداع.
وهو لا يدير المؤشر على إذاعة القرآن الكريم، إلا على سبيل «البركة» بالمعنى الفولكلورى للكلمة، فلا هو ينصت إلى ما يديره ويسمعه من المعانى والآيات، ولا هو يعمل بما يقوله القرآن فى المعاملات بين الناس.. وإنما هو يدير مؤشر الإذاعة وينساه.. ومن العبارات الجميلة التى اشتهر بها الأستاذ جلال عامر، يرحمه الله، أنك إذا فكرت فى أن تأخذ التاكسى إلى أى مشوار، فستكتشف أن السائق: مشغل القرآن ومعطل العداد.
وربما لهذا السبب أقبل الناس على الأوبر، الذى لا يعمل إلا بنظام يحكم بين مقدم الخدمة وطالبها.. وهذا لا يمنع أن خدمة الأوبر قد بدأت تتطبع بالطابع المصرى وتنحدر، وإلا، فما معنى هذه الشكاوى التى لا تتوقف من سلوك السائقين فى غالبيتهم، ومن مستوى الكثير من السيارات التى تقدم الخدمة، ومن سوء الخدمة نفسها فى أحيان كثيرة؟.
يجب ألا تنام الحكومة مطمئنة على وسادة حملات المقاطعة، لأنها وسادة ليست فقط حالمة، لكنها بالقدر نفسه خادعة.