بقلم : سليمان جودة
دعتنى الشيخة مى آل خليفة، وزيرة الثقافة والإعلام البحرينية السابقة، إلى لقاء عام فى مركز الشيخ إبراهيم الثقافى فى العاصمة المنامة، ثم إلى زيارة لعدد من البيوت والمراكز الثقافية، ومنها بيت الدكتور غازى القصيبى.
ورغم أن الدكتور القصيبى سعودى الجنسية، فإنه قضى جانبًا كبيرًا من حياته فى بيته فى المنامة، وفى فترة من الفترات كان سفيرًا لخادم الحرمين الشريفين فى البحرين وفى لندن أيضًا.
يرحمه الله كان كاتبًا بارعًا بقدر ما كان دبلوماسيًّا ووزيرًا ماهرًا، وقد تولى أكثر من وزارة فى الرياض، وكانت وزارة العمل من بين الوزارات التى بقى على رأسها لفترة.. وقد كانت له فى هذه الوزارة بالذات حكاية طريفة للغاية، وكانت الحكاية أنه ارتدى ذات يوم ملابس عامل، ثم مضى يتحرك بها بين العمال، وكان الهدف أن يقول إن العمل ليس من الضرورى أن يكون مكتبيًّا، وإن العمل عمل أيًّا كان مكانه وأيًّا كان نوعه ما دام طريقًا إلى الكسب المشروع.
كان قد لاحظ أن كثيرين من طالبى العمل يطلبون العمل المكتبى ويتكالبون عليه، فأراد أن يضرب لهم مثلًا عمليًّا وراح يرتدى فى مرة ثانية الزى المخصص للجرسون، ثم مضى يحمل الأطباق إلى الزبائن فى المطعم. كان يريد أن يؤسس لثقافة غائبة عنّا نحن العرب عمومًا، وكان يبدأ خطوةً أولى فى اتجاه تأسيسها، لعل آخرين يأتون من بعده فيستكملون الطريق إلى نهايته.
وفى إحدى المرات زار «بيت الشعر»، الذى يحمل اسم الشاعر البحرينى إبراهيم العُريّض فى المنامة، والذى أسسته الشيخة مى ضمن ما أسست وجعلته متحفًا يُزار، فذهب إليها يطلب أن ترعى فى المستقبل تحويل بيته هناك إلى شىء شبيه ببيت الشاعر العُريّض!.. وكأنه كان يشعر بقرب رحيله عن الدنيا.. فلقد رحل بعدها بقليل، ليتحول البيت إلى متحف يزوره ضيوف البحرين، وهو بيت من طابقين، وفى داخله مكتبة صاحبه ومتعلقاته الشخصية، والأهم أنه يضم بدلة الجرسون التى ارتداها الرجل فى المطعم وطاف بها بين الزبائن.
ولأنه كان أديبًا وشاعرًا، فإنه قد نقش بيتًا من الشعر على واجهة البيت، وفيه يقول إن المنامة تبدو على الخليج كالابتسامة.
البيت يحمل اسم «منامة القصيبى»، وزيارته متعة فى حد ذاتها لأنك تجد نفسك فى رفقة أديب، وشاعر، ودبلوماسى، وسياسى، ثم إنه إنسان. وهذا ما سوف تراه فى روايته «شقة الحرية»، التى كتبها وقت أن كان فى لندن، والتى جمع فيها عددًا من الطلاب العرب يتكلم كل واحد منهم بلسان بلده، وكان الهدف أن يتكلموا لغة واحدة بالمعنى السياسى الذى يجمع العرب فى كل موقف.