بقلم : سليمان جودة
لا بد أن القاضى الأمريكى خوان ميرشان سوف يدخل تاريخ بلاده باعتباره القاضى الذى لا مثيل له بين قضاة الولايات المتحدة.
وإذا كان جورج واشنطن هو أول رئيس لأمريكا، فلا هو ولا أى رئيس جاء من بعده على مدى أكثر من قرنين من الزمان دخل البيت الأبيض مدانًا، إلا الرئيس المنتخب دونالد ترمب الذى شاء له حظه أن يدخل البيت الأبيض مدانًا فى جريمة جنائية.
كان ترامب متهمًا فى أكثر من قضية طوال فترة ترشحه فى السباق الرئاسى، وكان قد قضى فترة الترشح متنقلًا بين محكمة وأخرى، ولكنه لم يحصل على حكم بالإدانة فى أى قضية من القضايا التى جرى اتهامه فيه.. وكان الأمل أن فوزه فى السباق يوم 5 نوفمبر الماضى سوف يغلق هذا الباب.
كان هذا هو أمله كمرشح رئاسى فائز، وكان هذا هو أمل فريق المحامين الذين تولوا الدفاع عنه فى كل القضايا، وكان هذا هو أمل مؤيديه وأنصاره الذين تحمسوا له بقوة، والذين حملوه مرةً ثانية إلى البيت الأبيض.. ولكن هؤلاء كلهم كوم، بينما القاضى ميرشان كوم آخر، لأنه خيب أملهم جميعًا وأصدر حكمًا فى واحدة من القضايا اشتهرت بأنها: قضية أموال الصمت.
وهو لم يُخيّب ظنهم جميعًا وفقط، ولكنه اختار يوم الجمعة 10 يناير ليصدر فيها الحكم، وبكل ما يعنيه هذا اليوم بالنسبة للرئيس المنتخب.
فليس سرًا أن ترامب سيدخل البيت الأبيض رئيسًا متوجًا فى 20 يناير، وليس سرًا أنه فاز على المرشحة المنافسة كامالا هاريس بامتياز، وبالتالى، فإن ما بين يوم إصدار الحكم ويوم التتويج عشرة أيام لا تزيد.. ولم يخطر فى باله أبدًا أن شيئًا يمكن أن يطرأ فيلوث ثوبه الأبيض دون مقدمات.. القاضى بالطبع كان يدرك هذا كله، ولذلك راعى أن يدمغ المتهم بالإدانة، ولكن بغير حبس، ولا غرامة، ولا متابعة بالمراقبة.
كان ترامب يتابع من منتجعه فى فلوريدا إصدار الحكم فى حقه وهو غير مصدق.. كان يتابعه عبر دائرة تليفزيونية مغلقة، وكان يسمع ميرشان وهو يقول إنه أراد بهذا الحكم أشياء كثيرة، ولكن الشىء الأهم الذى أراده هو أن يقول أنه لا أحد فى بلاد العم سام فوق القانون.
حقيقة الأمر أن هذا الشىء على وجه التحديد هو سر من أسرار الولايات المتحدة، وإذا شئنا الدقة قلنا إنه أكبر أسرارها.