بقلم : سليمان جودة
أعجبنى أن يتبرع المهندس نجيب ساويرس وشقيقاه سميح وناصف للجامعة الأمريكية فى القاهرة، ولكن ما أعجبنى أكثر أن يتحدث المهندس نجيب عن أن البلد ليس فى حاجة إلى المزيد من الجوامع والكنائس حتى يتبرع لها هو أو سواه، ولكن البلد فى أشد الحاجة إلى التعليم وإلى الصحة، ثم إلى التبرع لهما فى كل وقت.
هذا هو الأصل فى الموضوع ولا أصل آخر، لا لشىء، إلا لأن فى إمكانك أن تعبد ربك فى أى مكان، وليس من الضرورى أن تعبده فى جامع ولا فى كنيسة. ولكن المريض لا يمكن أن يتلقى علاجه إلا فى مستشفى مجهز لعلاجه، ولا يمكن للطالب أن يتلقى تعليمه إلا فى مبنى مُهيأ لأن يكون مكانا للتعليم الذى يخاطب العصر.
وفى وقت من الأوقات كان البابا تواضروس قد قال، فى حوار منشور، إن أهم شخص فى المجتمع هو مدرس الإبتدائى، لأنه هو الشخص الذى يؤسس لما يدوم ويستمر فى حياة كل إنسان متعلم، ولذلك، فليس من المتصور أن يتخرج الطالب العصرى، إلا إذا كان قد مرّ على مدرس ابتدائى جرى إعداده كما يقول الكتاب.
ومنذ أن أطلق البابا هذه العبارة، وأنا أدعو فى كل مناسبة إلى أن يكون المدرس عموما، ومدرس الإبتدائى خصوصا، أولوية لدى الدولة فى الإنفاق العام، وفى الرعاية، وفى العناية، لأن الاستثمار فيه استثمار مضمون العائد بنسبة مائة فى المائة على المدى الطويل.
من هذه الزاوية تطلعت إلى تبرع آل ساويرس للجامعة الأمريكية، ولم أنشغل كثيرا ولا قليلا بما إذا كانوا قد تبرعوا بمبلغ كذا، أو إذا كانوا قد تبرعوا للجهة الفلانية ولم يتبرعوا لجهة غيرها.. فهذه كلها تفاصيل يجب ألا ننشغل بها عن القضية الأساسية، وهى أن يتبرع كل قادر للجهة التى يرى هو أنها أحق بما سيدفعه من جيبه ومن ماله الخاص.
علينا أن نلاحظ هنا أننا نتكلم عن «تبرع» أى عن «تطوع».. والمعنى أن الإنسان القادر يستطيع أن يتبرع أو لا يتبرع، وبغير أن يسأله أو يسائله أحد.. فالفعل فعل تطوعى، ولا حق لى ولا لك فى أن نسأل لماذا تطوع هنا ولم يتطوع هناك؟.. ثم إننا نتحدث عن «مال خاص» والمعنى أيضا أن صاحبه حُر فى أن يذهب به إلى الجهة التى يراها.
وإذا كانت المؤسسات التعليمية الأهلية من نوعية الجامعة الأمريكية قد قامت فى الأساس على فكرة التبرع لها، حتى لا يكون الربح من بين أهدافها، فالأمل أن يكون تبرع آل ساويرس إحياءً لهذه الفكرة بقوة.. فما أحوج المؤسسات التعليمية والصحية إلى تبرعات القادرين فى مجتمعنا، وما أشد حاجة المجتمع إلى أن تكون فكرة التبرع للصحة والتعليم مستقرة فيه بما يكفى ويزيد.