بقلم: سليمان جودة
تبدو قائمة إعلانات التليفزيون فى رمضان خالية تمامًا من الإعلان عن أى سلع غذائية، وتنفرد إعلانات العقارات وشركات الاتصالات بالشاشة كلها، وتتسابق للاستحواذ على اهتمام المشاهدين وهُم يتابعون عملهم الفنى المفضل!.
ولا أجد تفسيرًا لغياب السلع الغذائية عن خريطة إعلانات الشهر الكريم، وقد كانت فى كل سنة سابقة تحصل على نصيب الأسد فى الخريطة الإعلانية، ولكن الحاصل من أول الشهر أن المشاهدين يخرجون من إعلان عن كمباوند ليدخلوا فى إعلان عن شركة من شركات الموبايل، مع أن سوء الخدمة من جانبها شكوى على كل لسان!.
أما الإعلانات التى تتخلل الأعمال الفنية فهى المشكلة الكبيرة لأن مساحتها تفوق مساحة العمل الفنى نفسه، ولأن المشاهد كلما حظى بخمس دقائق من أحداث هذا المسلسل أو ذاك، وجد نفسه أسيرًا فى قبضة عشر دقائق إعلان أو أكثر فى المقابل!.. والظاهر أن الذين يضعون الإعلان فوق العمل الفنى بهذه الطريقة لا ينتبهون إلى أنهم يضرون الاثنين معًا: المسلسل ومعه السلعة التى يجرى الإعلان عنها.
الضرر يلحق بالاثنين معًا لأن المشاهد الذى يمسك الريموت كونترول فى يده لا يكاد يرى أن أحداث المسلسل توقفت وأن الفاصل الإعلانى بدأ، حتى يتحول على الفور إلى قناة أخرى، ويظل يتجول بين القنوات لدقائق إلى أن ينتهى الفاصل، فإذا انتهى الفاصل عاد ليتابع الأحداث من جديد!.. وهكذا.. فالرهان على أن المشاهد الذى يجلس لمتابعة أحداث أى عمل فنى سوف يتابع معه الإعلانات ويتعرض لها هو رهان خاطئ وليس فى مكانه!.
والشىء الآخر أن المشاهد الذى يتابع أحداث العمل الفنى متقطعة هكذا لا يمكن فى النهاية أن يجد لها رابطًا يجمعها فى عقله، ولا يمكن أن تصل «رسالة» المسلسل مكتملة إلى وجدانه، ولا يمكن أن يخرج فى آخر الشهر وقد حصل على شىء يفيده فى حياته.
لا يمكن لأنه يظل يتشتت دائمًا بين الفواصل، ولأن رسالة أى مسلسل جيد لا بد أن تضل طريقها إلى مشاهديها، وسط هذه الغابة الإعلانية التى لا أول لها ولا آخر، والتى لا إطار فيها يقدم العمل الفنى بطريقة تجعل رسالته تصيب هدفها وتستقر فيه!.
لا يمكن الرهان على مُشاهد يجلس أمام الشاشة مُشتت العقل والعين.. والرهان عليه أقرب ما يكون إلى رجل وكّل محاميًا ليس على ما يُرام فى قضية، ثم دفع له الكثير من الأتعاب، ولكنه اكتشف فى يوم نظر قضيته أنه خسر الفلوس والقضية!.