بقلم : فاروق جويدة
منذ سنوات، انطلقت فى ضواحى باريس، عاصمة الجن والملائكة، عدد قليل من ناطحات السحاب والأبراج القبيحة.. ويومها، تجمع أمام قصر الإليزيه موكب من المثقفين احتجاجًا على تشويه المدينة العريقة، فتراجع رئيس فرنسا فى ذلك الوقت، فرانسوا ميتران، ومنع إقامة هذه الأبراج حرصًا على جماليات مدينة النور، وبقيت باريس بمبانيها العتيقة.. وعندما اقتحم النازى باريس، وقف قائد المقاومة الفرنسية الجنرال شارل ديجول ورفض المساس بالمدينة العريقة وكانت اهم العواصم الأوروبية التى نجت من الدمار.. وكرَّم الفرنسيون قائدهم الذى حافظ على مدينتهم، وأصبح اسمه على أكبر وأرقى شوارعها.. إن هذا يؤكد أن من ثوابت الولاء والانتماء أن نحافظ على ذاكرة الشعوب تاريخًا ومكانًا وتراثًا.
ولهذا، أشعر بانزعاج شديد مما طرحه أحد المستثمرين العرب، بشأن قلب القاهرة.. إن قلب القاهرة تركيب معمارى وجمالى شديد التفرد، ولا أتصوره مجموعة من الكتل الخرسانية القبيحة.. إن النماذج المعمارية التى تنتشر الآن حولنا فى عواصم كثيرة لا تصلح أن تكون بديلاً لعاصمة عريقة مثل القاهرة .. إن قلب القاهرة يضم أغلى ما فيها قيمةً وتاريخًا، وهو تراث لا يُعوض، ولا يمكن أن يتحول إلى كتل قبيحة، لأن الجمال يُورَّث مثل كل الأشياء.
وقلب القاهرة جزء عزيز من ذاكرة المصريين، وهو شئ لا يُعوض وأغلى من كل كنوز الأرض.. وفى محنة وأعباء الأزمة الاقتصادية التى نعانيها، ينبغى ألا نفرط فى أشياء لا يملكها جيل، لأنها تراث ورثناه عن أجدادنا مئات السنين.. ستجيء أجيال وأجيال تحاسبنا وتصرخ فى ظلام قبورنا: لم تتركوا شيئًا لنا!
فى العالم توجد قاهرة واحدة قهرت الزمن وتحدت الأيام وصنعت المجد والتاريخ.. اتركوها شامخة كما كانت.