بقلم - عبد المنعم سعيد
عشت خمسين عاما من العمر، ومع أبناء جيلي، المواجهات العربية الإسرائيلية بكل ما فيها من كثرة الأحزان وقلة الأفراح، وتشاء الأقدار أن تكون أيضا موضوعا للدراسة والكتابة. ومن طول الحالة تكونت مفاهيم للصراع شاعت فى الكتابات العربية مثل النكسة والنكبة، وأيضا «العبور»، وحالة اللا حرب واللا سلم، والشائع الآن: الصمود. هذا الأخير يعنى حالة بطولية من تحمل الألم والقهر والخسارة، فالنصر فيها عدم الاعتراف بالخسارة، لأن هناك إيمانا بقوى غير مرئية سوف تجعل ذلك مستحيلا، أو بقانون تاريخى يضمن النصر للضعفاء. فى وقت من الأوقات خرج "الصمود" من الحالة العسكرية إلى حالة سياسية واستراتيجية عندما تكونت جبهة "الصمود والتصدي" لمواجهة مصر فى محاولتها المظفرة لاسترداد أراضيها المحتلة. ما حدث لهذه الجبهة نادرا ما يأتى تداول أمره إلى ماذا أفضي، وماذا كان المصير؛ فالحساب يقع فى إطار المؤامرة الكونية، أو تواطؤ الذين أخذوا مسارات أخرى لاسترداد الأرض أو حتى القيام بما تقوم به الدول من وظائف البناء والتنمية.
ما كان مدهشا أنه فى لحظات التصدى الساخنة تأتى ستارة التجاهل لكل ما جرى فى التاريخ القريب جدا عندما كانت تواجه مصر مسيرتها المظفرة مع الإرهاب بحزم وعزم عندما تعرضت للاجتياح السلمى أولا وبعدها جاءت الأنفاق ونسف أنابيب الغاز، ثم تلاها قدوم الإرهابيين لارتكاب جرائم مروعة لم يكن آخرها قتل المئات فى مسجد الروضة ساعة صلاة الجمعة. فى " أولاد حارتنا" ذكر نجيب محفوظ أن "آفة حارتنا النسيان"؛ وفى وقتنا هذا فإن النسيان المغطى بالصمود يحجب عنا طريق بناء الدولة المصرية على أسس عصرية وعالمية. النسيان كان فيه الكثير من دخان يحجب حقائق تاريخية لم يتجاوزها الزمن، ولا الدماء الحارة للشهداء الذين افتدوا مصر من جماعات إرهابية جرى تدريبها وتمويلها وتهريبها فى 1300 نفق وفروع أنفاق تحت الحدود المصرية. من الصعب استدعاء تاريخ قديم إلى اللحظة الراهنة ؟!