محاكمة دونالد ترامب «٢٢»

محاكمة دونالد ترامب «٢-٢»

محاكمة دونالد ترامب «٢-٢»

 العرب اليوم -

محاكمة دونالد ترامب «٢٢»

بقلم - عبد المنعم سعيد

هناك دائمًا شخصيات فارقة في التاريخ بعضها كان مجيدًا مثل الأنبياء الذين أتوا إلى الدنيا هداية للعالمين؛ وبعضها الآخر كان مؤثرًا في حياة الشعوب والبشر مثل ألكسندر الأكبر الذي نشر الحضارة الهيلينية في العالم، أو نابليون بونابرت الذي رغم هزيمته في النهاية فإنه نشر مبادئ الثورة الفرنسية في أوروبا والعالم. القيادات المختلفة في التاريخ المعاصر مثل لينين وماو وتشرشل وروزفلت لعبت أدوارًا خلال القرن العشرين انتهت إلى نظام دولى يقوم على ازدواجية الاعتماد على الردع وتوازن القوى والقانون الدولى وتنظيمات الأمم المتحدة التي تنظم التفاعلات الدولية. بالطبع كانت هناك قيادات مدمرة مثل هتلر، الذي أخذ العالم إلى الحرب العالمية الثانية، ودون أن يدرى خلق عالمًا بعده يحاول تلافى بؤس الحرب، وأخذ الإنسانية بفاعل التكنولوجيا والتجارة إلى عالم جديد.

دونالد ترامب الذي بات الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة وضع نقطة للنهاية في مشروع العولمة الأمريكى حينما كان عنوانًا لجيل من القادة في العالم الغربى يمثلون «القومية البيضاء»، والساعية إلى نوع من الانصراف عن الترتيبات العالمية، التي تعيد تركيب العالم في اتجاه عالم القرية الصغيرة. فشل ترامب في الحصول على فترة رئاسية ثانية، وعودة الرئيس جوزيف بايدن لكى تشكل إدارته ما هو بمثابة الفترة الثالثة للرئيس أوباما، يقسمان العالم بين الليبراليين والديمقراطيين في ناحية، والسلطويين والمستبدين في ناحية أخرى. ترشيح ترامب مرة أخرى للرئاسة الأمريكية ينقل المعركة العالمية إلى داخل الساحة الأمريكية ذاتها.

الواقع الذي نجده في محاكمة ترامب هو أن هناك محاكمتين: المحاكمة التي يتعرض لها ترامب ومحتواها ٣٤ تهمة أعلن المتهم براءته منها؛ والمحاكمة الأخرى هي التي شنها المتهم ذاته على النظام الأمريكى كله سياسيًّا وقضائيًّا عندما نزع الشرعية عن الانتخابات الرئاسية، وأكثر من ذلك أعلن التمرد الجماهيرى على النظام، بحيث أعطاها الغطاء للهجوم على مبنى الكونجرس في ٦ يناير ٢٠٢٠؛ وحاليًا فإنه مد غطاء التمرد إلى اللحظة الراهنة لمحاكمته. مثل هذه اللحظة، في وجود طبيعة مزدوجة للشرعية في دولة واحدة وأثناء عملية الاختيار الدولى لرئيس الدولة، لم تحدث في تاريخ الولايات المتحدة إلا أثناء الحرب الأهلية الأمريكية (١٨٦٠- ١٨٦٥). المشاهد الخاصة بإلقاء التهم على ترامب في نيابة مانهاتن لم يكن لها جانب واحد يتعلق بتفاصيل التهم الموجهة من النظام إلى رئيس سابق. وهى لا تتعلق فقط بمدفوعات السكوت المالية لممثلة الأفلام الإباحية «ستورمى دانيال»، وإنما هي محور ثلاثة تحقيقات جنائية أخرى، بما في ذلك جهوده لإلغاء نتائج انتخابات ٢٠٢٠ وتعامل ترامب مع الوثائق السرية بعد مغادرة البيت الأبيض. العجيب في الأمر أن الاتهامات الموجهة إلى الرئيس الأمريكى السابق هي في ذاتها مجال كبير للائحة الاتهام التي يوجهها ترامب إلى النظام الذي يحاكمه.

إثارة قضية «الخطيئة» وملابساتها المالية لم تكن جديدة بأشكال مختلفة على الرئاسة الأمريكية وما فيها من قصص. الرئيس الثالث للدولة، توماس جيفرسون، كانت له مغامرات نسائية، بعضها نتج عنه أبناء سُمْر نجموا عن معاشرات مع جاريات إفريقية؛ وفى نفس المرحلة قتل من مؤسِّسى الدولة «ألكسندر هاملتون» في مبارزة مع منافس عاطفى. دوايت أيزنهاور كانت له قصة عشق بدأت في لندن واستمرت في أمريكا أثناء وجوده في البيت الأبيض. جون كنيدى رُويت عنه الكثير من الأساطير، التي تحدثت عن ممرات داخل البيت الأبيض للقاء الشقراء «مارلين مونرو»؛ وربما كان بيل كلينتون من الذين نافسوه بعد اكتشاف علاقته بالمتدربة في البيت الأبيض «مونيكا لوينسكى». في أغلب الأحوال فإن النظام الأمريكى وضع ذلك كله في المكانة الأخلاقية التي يقدرها الجمهور الأمريكى ساعة التصويت. من جانب آخر فإن احتجاج ترامب على ما سماه «تزوير» الانتخابات كان فيه قدر من محاكمة النظام الانتخابى الأمريكى، الذي رغم النظام الفيدرالى في الدولة، فإنه في حقيقته كان مختلفًا من ولاية إلى أخرى، وخاصة ما يتعلق بالتصويت البريدى، وسبل فرز الأصوات. ورغم أن كثيرًا من أحكام المحاكم في الانتخابات ذكرت أن التجاوزات التي جرى رصدها لم تكن لتغير من نتيجة الانتخابات، كان فيها اعتراف بوجود التجاوز، وما جاء في الأحكام كان قائمًا على التقدير، خاصة أن أحدًا لم يقرر كيفية تلافى هذه التجاوزات فيما بعد. موضوع الوثائق السرية التي خرجت من البيت الأبيض هو أمر جديد بالنسبة للمتابعين للسياسة الأمريكية، واعتراف الرئيس بايدن ذاته بأنه أخذ وثائق نائب الرئيس الأمريكى أثناء إدارة أوباما ترك المسألة برمتها إلى ممارسات تقديرية لمدى التجاوز الحادث.

لا توجد نية هنا لإدانة طرف أو آخر في مثل هذه المبارزات القانونية والقضائية، ولكن المسألة هنا هي أن نزاهة النظام القضائى الأمريكى نفسها أصبحت في الميزان، فما حدث هو أن ترامب، أو حملته الانتخابية، شنوا هجومًا كبيرًا على نزاهة السلطة السياسية عندما يطرح ترامب المقابلة ما بين الاتهام الموجه له بعلاقات خاصة مع روسيا، بما كان من علاقات خاصة أيضًا لابن الرئيس بايدن «هنتر» مع شركات في أوكرانيا. وبعد التشكيك في نزاهة السلطة السياسية، بات النظام القضائى مهدَّدًا بـ«خدعة الصناديق»، وأن إدارة السجلات والمحفوظات الوطنية الأمريكية، التي وصفها بأنها «منظمة مشاغبة يسارية راديكالية»، ليست المكلفة بالحفظ الأمين لأصوات الناخبين الأحياء. اتهام ابنة القاضى ميرشان، التي عملت على ما يبدو في شركة كان من بين عملائها حملة بايدن/ هاريس، يمثل بغض النظر عن مدى المصداقية طعنة استخدام تضارب المصالح باعتبارها جزءًا من النظام السياسى الأمريكى، الذي يتداخل تداخلًا كبيرًا مع النظام الاقتصادى. إذا أضفنا إلى كل ذلك موقف الديمقراطيين من المحكمة الدستورية العليا- وحكمها فيما يتعلق بالإجهاض، وغلبة التيار المحافظ عليها نتيجة تعيينات جرَت خلال فترة وجود ترامب في البيت الأبيض- فستتخلخل كثيرًا الصورة السياسية والقضائية داخل وخارج الولايات المتحدة والقائمة على نوع من العدالة المحكمة.

القضية هنا أن المعركة القضائية مستمرة، وربما يتخلص ترامب من التهم الجنائية في مانهاتن، لكن من المحتمل أن يأتى المزيد من جورجيا وواشنطن العاصمة سواء تلك التي تتهم ترامب بالضغط على الأجهزة المحلية من أجل ترجيح كفته، أو كل تلك الأحداث التي اتصلت بالتمرد والعنف الذي جرى في ٦ يناير ٢٠٢٠. حجر الزاوية هنا هو أنه مع ذلك كله، لا يزال ترامب خيارًا للملايين لمنصب الرئاسة، على الرغم من هجماته على دولة القانون والقضاة الذين يشرفون عليها. والعجب هنا أن الإعلام الأمريكى لا يزال يأخذ قضية الانتخابات الرئاسية على أنها مغامرة من رئيس سابق موتور ومختل، ولكن الحقيقة هي أنه أيًّا كان التحليل لشخصية ترامب فإن النتيجة هي كارثة إذا ما فاز في الانتخابات، وكارثة أخرى إذا ما خسر لأنه لا يوجد حتى الآن تقدير الحجم من الضرر الذي سوف يحدث لشرعية النظام السياسى الأمريكى.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاكمة دونالد ترامب «٢٢» محاكمة دونالد ترامب «٢٢»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab