حرب القرم الثانية

حرب القرم الثانية

حرب القرم الثانية

 العرب اليوم -

حرب القرم الثانية

بقلم : عبد المنعم سعيد

الحروب هى عمل من أعمال العنف الكبرى التى تقع بين طرفين أو عدة أطراف دولية. بالطبع فإن هناك حروبا تجرى داخل الدول، وهى فى العادة ليست أقل عنفا، ولكن هذه تحدد مصير دولة، أما ما يقع بين الدول فهو فى كثير من الأحيان يحدد مصير العالم. الحرب الأوكرانية فيها هذا وذاك، فهى بين طرفين دوليين مباشرين هما روسيا وأوكرانيا، ولكنها من ناحية أخرى حرب أهلية دارت بين أوكرانيا وبلدين فى إقليم الدونباس من الناطقين باللغة الروسية. الحرب مثل كل الحروب فى التاريخ متعددة الأبعاد الجغرافية والتاريخية والاجتماعية التى تجعلها معقدة فى أصولها ومستعصية على الحل فى نهايتها. المؤكد أن انهيار الاتحاد السوفيتى ومحاولة روسيا البوتينية أن تستعيد ما ضاع منها جزء من العملية الحربية الخاصة. ولكن التاريخ ربما يكون أعمق فمنطقة شبه جزيرة القرم كانت مسرحا لواحدة من أهم الحروب التى جرت خلال القرن التاسع عشر وبالتحديد بين أكتوبر ١٨٥٣ وحتى فبراير ١٨٥٦. ثلاث سنوات من الحرب الضروس تركت جروحا غائرة، وكانت الحرب بين روسيا من ناحية، وكل من الإمبراطورية العثمانية وفرنسا وبريطانيا من ناحية أخري. كانت روسيا تدافع فى ذلك الوقت عن المواطنين من طائفة الأرثوذوكس الذين كانوا موضوعا لاضطهاد طائفة الكاثوليك الذين كانت فرنسا تدافع عنهم ومعهم الإمبراطورية العثمانية التى كانت قد دخلت فى مرحلة من الأفول، لم تستقر الدول الأوروبية الأخرى على مصيرها بعد، ولكن لها نوعا من السيادة التاريخية على الإقليم. تفاصيل كل ذلك ذائعة فى كتب التاريخ وموسوعاته، ولكن ما يهمنا فى هذا المقام أن منطقة القرم خطفت نصيبها من التاريخ قبل أكثر من قرن ونصف القرن، كما خطفته من جغرافية وجودها داخل البحر الأسود وتوابعه من بحار صغيرة.

الآن فإن القرم تدخل التاريخ مرة أخرى باعتبارها فصلا خاصا من الحرب الأوكرانية يقع بين الفصل الأول الذى فشلت فيه روسيا فى الاستيلاء على العاصمة كييف وتغيير نظام الحكم فى الدولة الأوكرانية، والفصل الثانى الذى نجحت فيه روسيا فى الاستيلاء على شرق أوكرانيا وفى القلب منها المناطق الناطقة بالروسية، ومنها بات النظر إلى بقية الجنوب الأوكرانى وعزل أوكرانيا بعيدا عن البحر الأسود محض تفاصيل وزمن. ولكن ذلك فتح الباب واسعا لفصل جديد من حروب القرم أخذ شكلا مختلفا هو أنه جرى بشكل سري؛ فمنذ بداية الحرب الأوكرانية فى ٢٤ فبراير الماضى فإن أوكرانيا ومن ورائها حلف الأطلنطى كانت حريصة على البعد عما يمكن تسميته مناطق روسية خالصة وشمل ذلك إلى جانب الأراضى الروسية منطقة القرم أيضا. ومع ذلك فقد بدأت سلسلة من التفجيرات معظمها فى مناطق تجمع الذخيرة الذى تعلن بعده المصادر الأوكرانية الصمت أو تنفى أى علاقة به، بينما تذكر المصادر الروسية أن الانفجار كان لأسباب خاصة بالتخزين أو حالة الطقس أو فشل فى أجهزة الأمان. فى القرم جرت الأمور بنفس الطريقة، وكانت البداية إغراق قطعة بحرية روسية مهمة فى البحر الأسود، وبعد ذلك جرى هجوم على قاعدة جوية روسية، وتلاها انفجار كبير فى مناطق تعبئة الذخائر. وقت كتابة هذا المقال كانت روسيا قد أخذت الحرب الجديدة إلى العلن بقصف ميناء أوديسا الميناء الأوكرانى الوحيد على البحر الأسود. خرجت حرب القرم الثانية إلى الوجود.

كانت حرب القرم الأولى فاتحة لنوعية جديدة من الحروب بمعايير القرن التاسع عشر. فهى أولى الحروب التى جرت فيها عمليات التصوير الفوتوغرافى، وفيها كانت السفن الحربية تستخدم طاقة البخار للحركة والحرب التى خرجت فيها القذائف البحرية على شكل قريب مما نعرفه اليوم. ومن وراء ذلك كله كانت السكك الحديدية تنقل الجنود، والتليغراف ينقل الرسائل فى سوابق غير معروفة فى التاريخ. فتحت الحرب الأبواب لتغيرات اقتصادية واجتماعية كان من بينها إلغاء السخرة والعمل القسري. حرب القرم الثانية تفتح الأبواب هى الأخرى لأشكال من الحرب التى تستخدم فيها الأقمار الصناعية لتصحيح مسار النيران والمدفعية والقذائف الصاروخية بالغة الدقة، وباتت الطائرات المسيرة كثيفة الاستخدام وتأتى من تركيا إلى أوكرانيا، ومن إيران إلى روسيا. الفارق بين الحربين جرى من الناحية الاقتصادية حيث كانت الحرب الأولى معزولة نسبيا عن بقية العالم، أما تلك الثانية الآن فهى تمتد بآثارها الاقتصادية إلى بقية الدنيا كلها. وبينما جرت الأولى بين القوى الأوروبية الرئيسية، فإن الثانية الجارية لا تدعى هذا الشرف حتى ولو كانت العقوبات الاقتصادية قد قادت إلى حرب اقتصادية تقدم الكثير لأزمات دولية فى الطاقة والغذاء. بقيت معظم الدول الأوروبية مكتفية بتقديم المساندة العسكرية من خلال التسليح واستضافة اللاجئين وتحمل نتائج الحرب الاقتصادية.

الخسائر الكبرى جاءت فى أوكرانيا مدينة بعد أخرى، ولكن من خسر كل شيء يمكنه المغامرة والمقامرة بسخاء كبير وفى جميع الاتجاهات، وبالقصف الذى لا يعترف أحد بمصادره، وبرفع سقف المطالب لكى تشمل ليس فقط إقليم الدونباس وإنما معه، وربما قبله إقليم القرم ذاته التى تكاد دول العالم بما فيها الصين لا تعترف بضمه إلى روسيا. الخوف الأكبر فى حرب القرم الثانية أنها تقترب من الحافة النووية، ليس فقط من خلال تهديدات روسيا، وإنما أكثر من ذلك أنها تضع المفاعلات النووية فى مرمى النيران. مثل هذا جديد تماما، ولا تزال الحرب فى شهورها الستة الأولى، ترى ماذا سوف يكون عليه الحال فى نهاية العام؟!.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب القرم الثانية حرب القرم الثانية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 04:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
 العرب اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab