بقلم - عبد المنعم سعيد
أسأل القراء السماح فما سيأتى مغرق فى التشاؤم وهو غير معتاد ولا فى نية العمود أن يكون فيه ما يقلق أو يفزع. ولكن الفنون التى سبقتنا فرضت التحذير العام، أو حددت الأعمار التى يمكنها القراءة أو المشاهدة. المسألة هى أنه بات لدينا أول دليل يجسد حالة المصير البشرى إذا ما استمرت حالة اللامبالاة فيما يخص كوكب الأرض والاحتباس الحرارى وما جرى للقطب الشمالي. الدليل جاء من جزيرة مايوى Maui بالمحيط الهادئ، والتى هى من جزر ولاية هاواى الأمريكية بما فيها من جمال وفنون جعلها مقصدا للمتعة والسياحة. ارتفاع الحرارة إلى ما ارتفعت إليه خلال الأسابيع الماضية أدى إلى خروج الحمم من بركان قريب من الجزيرة، ومع اجتماع كليهما اشتعلت الحرائق فى غابات الجزيرة، وفى البيوت القاطنة فيها، من كان عائشا فيها تفحم، أما من لاذ بالبحر فقد كان ساخنا إلى الدرجة التى جعلته مسلوقا. الأيام باتت كيوم القيامة التى يفر فيها المرء من أمه وأبيه، وأخته وأخيه؛ وأينما تولت الوجوه لم يكن هناك إلا مقاصد الجحيم.
حتى وقت كتابة هذا العمود قبل أسبوعين فإن عدد الضحايا كان ١٠٦، ولكن المفقودين كانوا ١٣٠٠، والمعضلة الأكبر أن هناك ما هو أكثر أعدادا متفحمة أو مشوهة بحيث بات مستحيلا التعرف على من جاءه القضاء. استخدام تقنية الـ DNA لم يفلح فى الاستدلال على أحد من ٤١ إنسانا جرى الكشف عليهم وفق هذا الاختبار. المشاهد كلها مروعة ومفزعة من الشجر أو الحجر أو البشر. كل الأجساد سالت وتفحمت وتكورت أشكالها بين الأطراف والرأس فى تكوينات مرعبة. المدينة كلها باتت مثالا حيا على المصير البشري، ولعلها تنافس فى قسوتها جميع الأفلام والخيالات المريضة حول فناء البشر فى كوكبنا أو كواكب أخرى. بعضنا سوف يرى فى ذلك عقابا من السماء، ولكن البعض الآخر سوف يرى أنه بعد "مايوي" لم نفعل شيئا.