زمن المشروعات الإقليمية

زمن المشروعات الإقليمية

زمن المشروعات الإقليمية

 العرب اليوم -

زمن المشروعات الإقليمية

بقلم: عبد المنعم سعيد

قبل أسبوع، كان الرئيس الأمريكى المنتخب يهدد بصوت عالٍ بأنه ما لم تقم حماس بتسليم المحتجزين الإسرائيليين، فإن الجحيم سوف ينصب فوق رؤوس غزة. فى أوقات أخرى كان تعليق ترامب على حرب غزة الخامسة أن إسرائيل دولة صغيرة المساحة. فى كل الأحوال كان ترامب فخورًا بأنه هو الذى دفع فى اتجاه «السلام الإبراهيمى» الذى بمقتضاه وقّعت دول عربية- الإمارات والبحرين والسودان والمغرب- «السلام الإبراهيمى» مع إسرائيل. فى نفس الوقت فإن الرجل كان حريصًا على التأكيد أن زمن الحروب التى أشعلها الديمقراطيون فى أمريكا أو على الأقل فشلوا فى منعها من الاشتعال قد ولى، مؤكدًا أنه لو كان حاضرًا فى البيت الأبيض خلال السنوات الماضية لما نشبت حرب أوكرانيا ولا غزة، وبالطبع ما لحقها من حروب فى لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران. ما يجعل مشروع ترامب الإقليمى مزعجًا للفهم أنه خلال الفترة الأخيرة، وبعد أن استقر الأمر له بالفوز بالانتخابات، محققًا أغلبية المجمع الانتخابى والأغلبية الشعبية والأغلبية للجمهوريين الموالية تمامًا لترامب فى مجلسى النواب والشيوخ، كل ذلك بالإضافة إلى الأغلبية فى المحكمة الدستورية العليا، فإن الرجل أصبح مسيطرًا على كافة المؤسسات الأمريكية.

ولكن ما خرج منه بعد الفوز بدا غريبًا عندما أخذت أحاديثه تتجه نحو السيطرة فى جوار الإقليم الأمريكى عندما أعلن أنه سوف يستعيد قناة بنما مرة أخرى، وتحدث عن «حاكم كندا»- ترودو الذى استقال من رئاسة الوزراء- معلنًا عن نيته ضم كندا لكى تكون جزءًا من الولايات المتحدة. ولم يكتفِ الرئيس القادم بالإعلان عن إعادة تسمية «خليج المكسيك» بـ«خليج أمريكا»؛ بل إنه أضاف إمكانية السيطرة على المكسيك نفسها لأنها لا تكف عن الدفع بالمهاجرين إلى أمريكا ومعهم تهريب المخدرات. الضربة الترامبية الكبرى جاءت عندما أعلن عن نيته ضم «جرينلاند» التابعة للدنمارك فى قلب المحيط الأطلنطى، والممتدة حتى القطب الشمالى.

هذه صورة أخرى لترامب الذى كان يُعْتَقد فى انعزاليته إلى داخل الولايات المتحدة؛ وداخل الجنس الأبيض وقوميته الكارهة لبقية الألوان الأخرى التى اختلط بها الأمريكيون عبر العصور مع السود الأفارقة بكافة درجاتهم، وذوى اللونين البُنى اللاتينيين بكافة ألوانهم والأصفر الآسيويين بكافة أصولهم.

إعلانات ترامب الجديدة التى قيل إنها ليست جديدة تمامًا، فقد كان يرددها من قبل، أصبحت تعبر عن نزعة إمبراطورية توسعية لا علاقة لها بالعولمة، فهى تجرى بينما يقيم ترامب الحواجز الجمركية مع بقية الدنيا. ولكن ما يهمنا هو مشروعه الخاص بالشرق الأوسط، والذى على الأرجح سوف يظل مرتبطًا بخط السلام الإبراهيمى بعد توسعته بالتطبيع السعودى الإسرائيلى، وتوسعة إسرائيل ذاتها بمزيد من الضم الاستيطانى فى الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إضافة التوسعات الإسرائيلية الجديدة التى أحرزتها على هضبة الجولان وامتداداتها داخل الأراضى السورية، وهى التى سبق لترامب أن أهداها إلى إسرائيل خلال فترته الرئاسية الأولى.

المشروع الأمريكى الشرق أوسطى لا يختلف كثيرًا عن «المشروع الإسرائيلى»، الذى لم يعد يخص أرض فلسطين وحدها، وإنما بات مرتبطًا بالامتدادات العربية بعدها فى سوريا ولبنان والأردن، مضافًا إليها بالإشارة سيناء المصرية أيضًا. فى كتابه «الحرب»، نقل «بوب ودورد»، عن وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن»، أنه سأل رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو» عما سوف يفعله إزاء الفلسطينيين فى غزة بعد السيطرة عليها، فكانت الإجابة أن الحل بسيط، فسوف يقوم بتشكيل ممر آمن يصل بين غزة وسيناء، فيندفع الفلسطينيون إلى هناك. الخطة فشلت نتيجة الموقف المصرى الحازم إزاء خطة التهجير القسرى، ولكن ما قيل كان عاكسًا لأطماع قائمة ليس فقط لمزيد من الأراضى، وإنما أن ذلك جزء من مشروع لحل المأزق الديمغرافى الإسرائيلى، وهو مهما كانت السيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية، فإن الديمغرافيا الفلسطينية المتفوقة الآن سوف تكون شوكة فى الحلق الإسرائيلى سواء بالنضال من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة أو بالحصول على المساواة الكاملة مع الإسرائيليين فى دولة واحدة مفروضة إسرائيليًّا على الشعب الفلسطينى. ولكن «المشروع الإسرائيلى» فيه ما هو أكثر من السيطرة على مزيد من الأراضى، حيث وصلت الرؤية الإسرائيلية للشرق الأوسط كله إلى أن يكون طيعًا للقوة العسكرية الإسرائيلية لمقاومة الميليشيات الوليدة لتهديد الدول العربية؛ ومواجهة التيارات الراديكالية فى الإسلام السياسى، ومعها الدولة الإيرانية التى لها هى الأخرى مشروعها الخاص.

«المشروع الإيرانى» قديم تاريخيًّا قِدَم العصور القديمة، التى جعلت من بلاد فارس القوة المناهضة للقوة الهلينية الصاعدة فى شرق «المتوسط». فى العصر الحديث سواء كان فى فترة الحكم الإمبراطورى البهلوى أو بعد نشوب الثورة الإسلامية، كانت النظرة الإيرانية للخليج «الفارسى» ليس كونه ممرًّا مائيًّا، وإنما أيضًا كونه تركيبًا إقليميًّا توجد فيه كبرى التجمعات الشيعية فى الدول العربية ذات الصلات الوثيقة مع إيران. ثورات «الربيع العربى» أعطت إيران فرصة تاريخية، خاصة مع ما توافر لها من جماعات إسلاموية مثل «الإخوان المسلمين» خلقت فرصة إضافية لإيران لكى تنضم إلى العالم «متعدد الأقطاب» باعتبارها القطب الصاعد، صاحب الامتداد الإقليمى المذكور فى الخليج وبحر العرب وبلاد ما بين النهرين حتى شاطئ البحر المتوسط. السعى الإيرانى إلى السلاح النووى كان جزءًا من هذا المشروع؛ ووضعت إيران «دفاعًا متقدمًا» عنه مكونًا من قوات عسكرية- ميليشيات- فى العراق وسوريا ولبنان واليمن تحت الإشراف المباشر للحرس الثورى الإيرانى. ما حدث خلال الفترة الماضية من تقويض هذا الدفاع المتقدم ما عدا قوة الحوثيين فى مدخل البحر الأحمر لا يعنى نهاية المشروع الإيرانى رغم النكسة التى تعرض لها. استكمال مشروع السلاح النووى وإعادة تعبئة الميليشيات الموالية يظل خيارًا إيرانيًّا مرتبطًا بمشروع النخبة الدينية المسيطرة فى طهران.

«المشروع التركى» بدأ بداية طيبة عندما قررت أنقرة تحت قيادة حزب «التنمية والعدالة» أن تتبع اختيار «صفر مشاكل» مع الجيران وعلى جميع الجبهات. وطوال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، اتبعت تركيا مسار «الكمون الاستراتيجى» حتى تحصل على جميع المزايا المقررة من الاتحاد الأوروبى، والتى تحولها إلى دولة صناعية كبرى عضو فى مجموعة العشرين الدولية. ومرة أخرى أيقظ «الربيع العربى» تركيا على فرصة خلق «العثمانية الجديدة»، التى تحقق السيطرة التركية فى الدول التى كانت سابقًا واقعة فى إطار الإمبراطورية العثمانية. قيادة رجب طيب أردوغان لتركيا فى هذه المرحلة خرجت بها من كمونها الاستراتيجى إلى الفتح الاستراتيجى بالعلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين السنية والجماعات المماثلة، التى تتغنى بعودة الخلافة الإسلامية مرة أخرى، ومن ثَمَّ تعطى لتركيا فرصتها المعاصرة. وصل المشروع التركى إلى سوريا مؤخرًا، ولديه موطئ قدم فى ليبيا، ودولة موالية فى شرق قبرص لا تعترف بها دولة أخرى سوى أنقرة. التغيرات الأوروبية فى اتجاه اليمين تدفع تركيا دفعًا نحو مشروعها السنى فى المشرق العربى.

السؤال الآن: ما «المشروع العربى» للتعامل مع هذه المشروعات؟.

arabstoday

GMT 12:56 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

لبنان.. رئيس جديد ومسار إنقاذى مطلوب

GMT 06:00 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

عبادة الأصنام

GMT 05:58 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

لبنان... عون وسلام

GMT 05:56 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

لبنان ما بعد «المقاومة»

GMT 05:54 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تقضم الأراضي السورية بحجج واهية

GMT 05:52 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

سيادة سوريا وأمنها فوق كل اعتبار

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

ترمب ومحاولة وضع اليد على مصادر طاقة جديدة

GMT 05:48 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

التفاؤل بالخير الرئاسي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن المشروعات الإقليمية زمن المشروعات الإقليمية



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 03:08 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

ترامب يحذر من تداعيات فشل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة
 العرب اليوم - ترامب يحذر من تداعيات فشل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة

GMT 10:46 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل
 العرب اليوم - أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 10:46 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 04:19 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

بايدن يعلن ولاية كاليفورنيا منطقة منكوبة

GMT 07:10 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

GMT 03:27 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

وكالة الفضاء الأوروبية تخطط لاختبار محركات لصواريخ Ariane 6

GMT 05:20 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

إغلاق تسعة شواطئ في سيدني بعد ظهور حطام غامض على شكل كرات

GMT 03:24 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

مقتل 5 عسكريين اسرائيليين من لواء النخبة بمعركة في غزة

GMT 04:37 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

ثغرة برمجية تسمح باختراق بعض هواتف سامسونغ

GMT 04:31 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أنباء تفيد باقتراب حرائق الغابات من مقر ميتا

GMT 14:49 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

كريم محمود عبدالعزيز يكشف عن رأي أولاده في أعماله
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab