بقلم - منى بوسمرة
التقدم غير المسبوق الذي حققته الإمارات في منظومتها الحصينة ضد كل أشكال الجريمة المالية، جاء بشهادة دولية من مجموعة العمل المالي «فاتف»، وهذا النجاح، جاء نتيجة حتمية لجدية العمل والالتزام الاستثنائي، استناداً لعوامل كثيرة، تدخل ضمن رؤية الإمارات الاستراتيجية، وإن كان أهمها، إيمان الدولة بترابط النظام المالي العالمي، والتزامها بحماية هذا النظام من أي مهددات، فإن تعزيز الإمارات لأمن منظومتها المالية الرصينة، يصب أيضاً في هدف بالغ الأهمية، ضمن استراتيجية الارتقاء بمكانة الدولة، كمركز محوري عالمياً، في الاقتصاد والتجارة والمال.
ما يعنيه ذلك بوضوح، أن دوافع الإمارات في تسريع إجراءاتها لتقوية منظومتها في مواجهة ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، تأتي من أولوية وطنية استراتيجية في المقام الأول، تتمثل في جعل الدولة واحدة من أقوى الاقتصادات، وأكثرها احتراماً في العالم، الأمر الذي قطعت فيه الدولة أشواطاً فارقة، ويظهر عبر الثقة التي لا تضاهى ببيئتها الاقتصادية، من جميع أوساط ومجتمعات الاقتصاد والأعمال العالمية، وما نراه من إجراءات متواصلة، يبرهن على أهمية هذا الملف، خصوصاً في ظل العمل ضمن استراتيجية وطنية قوية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تشرف على تنفيذها لجنة عليا، برئاسة عبد الله بن زايد شخصياً، وتعمل كل المؤسسات ذات العلاقة، بتكامل وتنسيق تام، لإنجاح كل بنودها.
عقوبات ومصادرات غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالدولة في العام الماضي، تجاوزت 3.8 مليارات درهم، لكن الأرقام وحدها لا تقول الكثير، فالمنظومة المالية الحصينة في الدولة، أحدثت تغييراً حقيقياً في القدرة على منع التدفقات المالية غير المشروعة، ولعبت دوراً مهماً في مواجهة هذه المشكلة، التي تشكل مصدر قلق لجميع الاقتصادات الكبرى، وهي اليوم تعمل بالتزام وثيق مع الشركاء الدوليين، وبمراجعات دائمة لخططها واستراتيجياتها وإجراءاتها، لتظل مواكبة لأي تطور قد يفتح الأبواب أمام شبكات الجريمة المالية.
فما يثير القلق عالمياً، جراء التقدم التكنولوجي، الذي زاد الترابط بين شبكات الجريمة المنظمة الدولية، على سبيل المثال، لا يشكل تحدياً كبيراً للإمارات، ببنيتها الذكية المتقدمة، وكذلك، فإن الدولة تتفرد بشمولية قدرتها على المواجهة، من خلال الشراكة الصلبة التي رسختها بين القطاعين العام والخاص، والخطوات الواسعة التي أنجزتها في تزويد القطاعين بالأدوات اللازمة، لتعزيز الدفاعات الجماعية.
الإمارات، ورغم كل النجاحات التي تحققت في هذا الملف، والإشادات الواسعة من العديد من الشركاء والمنظمات الدولية، فإنها لا تتوقف عند ما تم إنجازه، بل تعمل اليوم بالتزام وجدية وإصرار أكبر، على تحسين فاعلية كل الإجراءات، لبناء أقوى منظومة في مواجهة الجريمة المالية.