عندما قرأت قرار مجلس الوزراء الأخير بالموافقة على تأسيس شركة مساهمة عامَّة غير مُدرَجة، تتبع صندوق الاستثمار الأردني باسم (الشَّركة الأردنيَّة لتطوير المُدن والمرافق)، لا أدري لِمَ أصابني الذهول مثلما أصابني ذلك كلما تابعت خبرا حول المدينة الجديدة المنوي إقامتها شقيقة للعاصمة عمان.
القرار يضيف أن “الشَّركة مملوكة بالكامل للحكومة بنسبة 100%، ومن غاياتها تنفيذ وتطوير مشروعات البنية التحتيَّة الاستراتيجيَّة الكُبرى”، وتساءلت بحسن نية: هل جاءت هذه الشركة في موازنة 2025 ، أم هي قرار لن ينفذ مثل كثير من القرارات الرسمية؟.
هناك اتفاق عام لدى غالبية الأردنيين، وسكان العاصمة عمّان تحديدا، أن المشكلات التي تعاني منها العاصمة من تَنقُّل وأزمات مرورية، ومن غلبة الإسمنت على كل سنتمتر من أرض العاصمة، ومن ضغوطات نفسانية واجتماعية نتيجة الزيادة غير الطبيعية في عدد السكان، لا بد من مواجهتها بتخطيط جديد يمنح العاصمة متسعا من مساحات التنفس والحياة الطبيعية.
لكن؛ من اللحظة الأولى التي تجرأت فيها حكومة الملقي طرح موضوع المدينة الجديدة وليست “عاصمة جديدة” ومن لحظة تطنيش الموضوع من حكومة الرزاز، وعودة الكلام عنه في حكومة الخصاونة، لم يستقبل الأردنيون القرار إلا بكثير من السوداوية والرفض وعدم التصديق حتى قال أحد الخبراء: إن المشروع ولد يتيما.
شخصيا؛ سمعت مباشرة من مصدر قريب جدا من صانع القرار أن الموضوع جدي جدا ولا عودة عنه، وأن لنا في التجربة المصرية تحديدا أنموذجا يحذى حذوه.
دعونا نمنح الحكومة والخبراء والمخططين فرصة لتقديم الدراسات العلمية والعملية للمشروع، ونعرف أهدافه، ومساحاته واتجاهاته ومن هي الجهات المستفيدة منه، وهل هو مشروع إسكاني فقط مثل أبو نصير ومرج الحمام، أم هو مشروع مدينة جديدة بكافة مستلزماتها من الدوائر والاستثمارات وعوامل الجذب السكاني.
لكن؛ ومع كل هذه الروح الإيجابية، لا تمنحني إخفاء قضيّتين في بَطن الرّواية الشّعبية ترويان بوجع شديد تغلغل الفساد عميقًا في بُنيان مؤسسات الدولة، حيث لَهَفَ أذكياء الفساد المتّهمون مئات ملايين الدنانير من جراء اطّلاعِهم على قرارات مصيرية لمشروعات استراتيجية بحكم وظائفهم.
الروايتان تتعلقان أولًا بالأراضي المحاذية لشارع الأردن، وثانيًا أراضٍ في الماضونة والقويسمة مُحاذيةٍ لمشروعات منتظرة.
في الرواية الأولى؛ تزعم المعلومات أن أمينًا سابقًا لعمّان اشترى “بتراب المصاري” مئات قطع الأراضي حول مخطط شارع الأردن قبل أن يخرج المشروع للنور، وبعد إنجازه ارتفعت أسعار هذه الأراضي إلى أرقام فلكية للدونم الواحد.
والرواية الثانية؛ تزعم أن أمينًا آخر لعمّان بشراكة أحد أعضاء الأمانة وقتها، اشتريا مئات قطع الأراضي في المنطقتين قبل أن يعرف أحدٌ أن هناك مشروعات استراتيجية مقبلة في المنطقة.
التدقيق في الموضوع ليس صعبًا، وحتى لا تبقى الرواية الشعبية سيّدة الموقف، وحتى يكون كلام رؤساء الحكومات دوما: “إن الحكومة جادة بمحاربة الفساد بأشكاله كافة” على هيئة مكافحة الفساد أن تتحرك وتطلب من دائرة الأراضي أسماء مُلّاك قطع الأراضي في تلك المناطق، وعندها يَتبيّن زيف الرواية الشعبية من صدقها.
ليس معقولًا ألّا يخلو مشروع أو قرار في البلاد في السنوات الأخيرة من شبهة فساد، واعتداء على المال العام، حتى أصبح كل قرار او توجّه او صفقة مُتهَمًا حتى تثبت براءته.
الدايم الله…..