أسامة الرنتيسي
من الواضح تماما ان الحكومة الاردنية ورئيسها تحديدا في وضع شعبي وبرلماني غير مريح ابدا، بعد ان اشعلت الحكومة نارا قرب محطة وقود بعد ان رفعت اسعار اسطوانات الغاز المنزلي، واختارت بداية الشتاء القارص، وهي تعلم ان المواطن الاردني يعتمد في التدفئة على الغاز، كما قررت بشكل غير متوقع رفع رسوم تراخيص المركبات.
قرارات الحكومة الاردنية جاءت قبل ايام من عرض موازنة الدولة لعام 2016 على مجلس النواب في جلسة يعقدها الاحد 6 كانون الاول، وفي اخر الدورات البرلمانية التي يتحول فيها النواب عادة الى البحث عن الشعبية وأصوات الناخبين، فمن هو العبقري الذي نصح الحكومة باتخاذ هكذا قرارات، وفي هكذا توقيت؟!.
لقد تحول نواب الشعب الاردني خلال الايام القليلة الماضية الى كتاب مقالات وتغريدات وبوستات، تهاجم الحكومة وتهددها بحجب الثقة، حتى وصل الامر الى توقيع مذكرة من قبل 76 نائبا من اصل 150 عدد اعضاء البرلمان، يؤكدون فيها انهم قرروا حجب الثقة عن الحكومة.
لا يجوز ان يبالغ رئيس الوزراء الاردني الدكتور عبدالله النسور في كاريزما المناورة، والقدرة على الاقناع، والدهاء السياسي، التي يملكها، لان كل ذلك لا ينفع اذا فلتت الامور، فالامن "مكسور الظهر من اللاجئين السوريين"، والمخزون الاستراتيجي من الادوية في محافظات الشمال في اوضاع صعبة، والمخزون المائي في مراحل خطرة، وهناك احتقان شعبي من ضعف مكافحة الفساد الحقيقي، وخيبة أمل من الاداء العام في البلاد، التي تسير "على البركة".
منذ زمن؛ ربط رأس الدولة الاردنية عمر الحكومة بمدى رضا مجلس النواب، وعلى ما يبدو فإن الفريقين قد استوعبا الرسالة، ولهذا فلم يصل المجلس يوما في حجب الثقة عن الحكومة الى القرار الحاسم، والمحاولات في ذلك كلها كانت تُحبَط من المجلس ذاته، كما لم تحرج الحكومة المجلس كثيرا إلّا في قانون التقاعد، لكن هذه المرة تبدو الامور انها تسير في اتجاهات اخرى، ولن تجد الحكومة نوابا يدافعون عنها مهما راوغ معهم رئيس الحكومة.
في حضن مجلس النواب الآن مستقبل الحكومة الاقتصادي (مشروع قانون الموازنة)، وبامكان النواب حجب الثقة عن هذا القانون وهذا في العرف البرلماني سقوط للحكومة، وعليها ان ترحل فورا بعد ذلك.
وفي حضن مجلس النواب أيضا مستقبل الحياة السياسية في الاردن (مشروع قانون الانتخاب)، فساعات عمر المجلس سوف تتحدد في اللحظة التي سيتم فيها اقرار قانون الانتخاب الجديد، حيث ان اقرار قانون جديد، يعني بالعرف اجراء انتخابات مبكرة على اساسه، من اجل تجديد الحياة السياسية، ودخول اطراف جديدة قد يكون القانون السابق حرمهم من دخول البرلمان، او تمنّعوا عن المشاركة في الانتخابات على اساس ان القانون لا يلبي طموحاتهم السياسية.
التوترات الاجتماعية التي تتململ تحتها أعداد كبيرة من الأردنيين، واحداث العنف التي تقع في مناطق كثيرة وشبه يومية، وغياب هيبة الدولة، ونسب الانتحار التي ترتفع يوميا، ظواهر على صناع القرار التوقف عندها مليا.
يعرف النسور وتعرف حكومته ايضا، ويعرف كل صناع القرار في البلاد، ان الاوضاع الداخلية مرتبكة وقلقة، والاوضاع الاقتصادية والمعيشية في صعوبة لم يشهد الاردنيون مثلها في اكثر المراحل حلكة، ويفهم المواطنون ان هناك بخلا من الاشقاء لم يتعودوا عليه، لهذا تحتاج المرحلة الى وقفة جادة وحقيقية، وتحتاج معالجة القضايا الفرعية الامنية وغيرها الى عقل بارد، ومن دون استعراض، وان يكون اساس العمل توحيد الناس، وتماسك الجبهة الداخلية، وهما بكل الاحوال أهم بكثير من اي حلول اقتصادية ترقيعية.
ليس امام الحكومة الاردنية الان سوى التراجع عن القرارات الاخيرة، والتخلص من العقلية التي تفكر بها، خاصة في الجوانب الاقتصادية، فهي لا تقدم أي حلول جادة للأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تجتاح البلاد، لكنها تفكر أكثر في الضغط على الفقراء وذوي الدخل المحدود، وتهددهم يوميا بالجباية بكافة الطرق، والا فإن مصيرها بات اقرب الى الترحيل الاجباري، والسقوط الشعبي.