أوهام موسكو عن مستقبل الأسد

أوهام موسكو عن مستقبل الأسد

أوهام موسكو عن مستقبل الأسد

 العرب اليوم -

أوهام موسكو عن مستقبل الأسد

خالد الدخيل

نشأت سورية بحدودها الحالية وفقاً لاتفاق سري بين بريطانيا وفرنسا اسمه سايكس بيكو. كان ذلك في عام 1916. يوم الجمعة الماضي، أي أواخر الشهر الأخير من هذا العام 2015، يرسم قرار دولي من مجلس الأمن ما يفترض به أن يكون مستقبلاً جديداً لسورية يخرجها من مأساة حرب أهلية مدمرة أطلق عنانها النظام السوري، وليس أي طرف آخر، قبل قرابة خمس سنوات. ما بين التاريخين (1916-2015) مسافة من الزمن تصل إلى 99 سنة. وإذا عرفنا أن مفاوضات سايكس بيكو تمت في عام 1915، يمكن القول إن ما بين النشأة الأولى لسورية وقرار مجلس الأمن الأخير عن مستقبلها هو قرن كامل من الزمن. من هذه الزاوية، وقبل تبين دلالة هذا المسار التاريخي، يطرح السؤال البديهي نفسه: هل يمكن أن يؤدي قرار مجلس الأمن هذا إلى إنهاء الحرب الأهلية في سورية، ودخولها مرحلة انتقالية حقيقية تنتهي بإعادة بناء الدولة فيها على أسس علمانية وديموقراطية تجعل منها دولة تتسع للجميع وتكفل حقوقهم وأمنهم والمساواة في ما بينهم كمواطنين؟

هناك حقيقة لا يمكن تفاديها، وهي أن قرار مجلس الأمن هو نوع من الحل الوسط بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، وليس بين السوريين أنفسهم. المعارضة والنظام، يجدان نفسيهما مجبرين على التعايش مع هذا القرار، وليس القبول به نهائياً. في حقيقته القرار تفاهم بين دولة عظمى، هي الولايات المتحدة، لا تريد الانخراط سياسياً وليس عسكرياً في الأزمة السورية، ودولة عظمى أخرى وإن كانت أقل درجة هي روسيا، انخرطت عسكرياً وسياسياً في هذه الأزمة، وأصبحت تمسك بملفها أكثر من غيرها. انطلاقاً من ذلك، فإن إمكان تنفيذ القرار ونجاحه في إخراج سورية من مأزقها يعتمد قبل أي شيء آخر على ما تنوي روسيا أن تفعله لتحقيق هذا الهدف. هل ستلتزم هي نفسها أولاً كطرف في الحرب الآن بوقف إطلاق النار؟ وهل ستتوقف تبعاً لذلك عن استهدافها المدنيين والمعارضين للأسد من غير تنظيم الدولة (داعش)؟ ثم هل موسكو على استعداد أن تفرض على حليفها الأسد التزام وقف إطلاق النار أيضاً، خصوصاً التوقف عن استخدام البراميل المتفجرة؟ وهل تملك إقناع إيران بالتخلي عن الأسد باعتباره الحليف الذي لا ترى بديلاً له في سورية؟ من دون الإجابة في شكل واضح على هذه الأسئلة لا يمثل القرار الأخير لمجلس الأمن أكثر من أنه ورقة أخرى تضاف الى ملف الأزمة السورية.

من الواضح أن روسيا نجحت في ترك مستقبل الرئيس السوري في القرار غامضاً لا يلزم أحداً بشيء. لكنها الطرف الأقوى الآن في الساحة السورية. هي تردد دائماً بأن مستقبل الأسد يعود للسوريين أنفسهم. وهذا من حيث المبدأ صحيح تماماً. لكن عملياً، وفي إطار الصراع الدائر واللعبة السياسية المنبثقة عنه، هو شيء آخر أبعد ما يكون عن الصحة والمنطق. تعرف موسكو أن الرئيس السوري ونظامه الدموي هو في حقيقة الأمر من قرر مصير الشعب السوري، وليس العكس. وهذا واضح مما انتهى إليه حال هذا الشعب المغلوب على أمره. وإذا كانت روسيا صادقة في ما تردده عن هذه المسألة، فإن هذا يلزمها أخلاقياً وسياسياً بتصحيح هذه المعادلة عن انحرافها، بحيث يصبح الشعب هو حقاً من يقرر مصير الرئيس وليس العكس. لكن تدخلها العسكري وإعلانها الالتزام بترجيح كفة الأسد ونظامه في الصراع يشير إلى أنها تريد توظيف القرار الدولي كغطاء لفرض المعادلة القديمة بالقوة ورعب التهديد بها، ومن ثم تكريسها كما كانت عليه منذ أكثر من نصف قرن. تخلي الرئيس الأميركي باراك أوباما ومعه أوروبا عن الشعب السوري، وإطلاق يد روسيا وإيران والنظام في الصراع، إضافة إلى الانقسام العربي الحاد حول الموضوع السوري، يقول للسوريين شيئاً واحداً: إنكم لوحدكم أمام ثلاثي النظام بتاريخه الدموي، وموسكو بحملة «السوخوي» التي أطلقتها، وطهران بميليشياتها وجنرالاتها. ماذا يمكن أن يكون موقف السوري العادي في هذه الحال، وبعد كل الدمار والقتل والتهجير الذي تعرض له؟ وإذا كانت روسيا تناور، كما يبدو، بشعار أن «الشعب يقرر مصير الأسد»، فهل ستقبل المعارضة السياسية والعسكرية بوقف لإطلاق النار، والبدء بالتفاوض قبل معرفة المصير النهائي للرئيس الأسد؟ هذا أمر مشكوك فيه تماماً. الثقة مفقودة تماماً في الرئيس السوري، والروس لم يقدموا شيئاً يشجع على الثقة بما يرمون إليه حيال هذه المسألة. تبقى مسألة أخطر وأهم من ذلك، وهي استحالة قبول السوريين أن يكون بشار الأسد جزءاً من مستقبلهم بمسؤوليته عن الدماء والدمار التي تسبب فيها قبل أي أحد غيره. كيف سيتعامل الروس مع هذه الحقيقة؟

لم يقدم القرار الدولي للشعب السوري أي شيء ملموس. أعطى لإدارة أوباما ورقة توت دولية تغطي بها تخبطها وافتقادها لسياسة خارجية متماسكة. وأعطى لموسكو نوعاً من الغطاء الدولي لمهمتها الغامضة في سورية. ما عدا ذلك لا يتضمن القرار أكثر من أمانٍ لا أحد يعرف كيف، ولا أين يمكن صرفها. بعبارة أخرى، ضاعف القرار الدولي الأخير من عتمة المستقبل السوري. وهذا يعيدنا إلى دلالة المسافة الزمنية بين كيف ومتى نشأت سورية من ناحية، وبين ما انتهت إليه على طاولة مجلس الأمن الجمعة الماضي من ناحية أخرى. فبعد مرور 100 عام من عمر دولتهم يجد السوريون أنفسهم مرغمين بالدم، والقتل، والتهجير، والتعذيب، والتدمير، والغرق في أعالي البحار، ولا مبالاة الدول الكبرى، على البدء من الصفر لإعادة تأسيس واستئناف نشأة هذه الدولة. لكنه صفر غامض، وإعادة تأسيس هي أقرب الى الأمنية منها لعملية سياسية ملزمة. والمؤلم أن هؤلاء السوريين يجدون أنفسهم مرة أخرى يفعلون ذلك تحت إشراف دولي. كأنهم لم يبلغوا الرشد. ذهبت سنوات التحرر الوطني، وما كان يعرف بالنضال ضد الاستعمار والتدخلات الأجنبية، والصراع العربي - الإسرائيلي هباءً تذروه رياح الزمن. نشأت إسرائيل بعد نشأة سورية بـ42 سنة. وهنا تتبدى مأساة الزمن، ومأساة النضال في التجربة السورية. أمامك ما انتهت إليه الشام في حدودها الحالية، وما انتهت إليه إسرائيل. باتت الأخيرة طرفاً، وإن غير مباشر، في الصراع على سورية بعد أن كانت الأخيرة تطمح للتوازن الاستراتيجي معها.

تبعاً لذلك، أصبحت سورية وبحكم ديناميكية الصراع بمعادلته الجديدة، تحت الاحتلال الإيراني، والاحتلال الروسي. وهذا وفقاً لقاموس حزب البعث وخطابه السياسي وليس أي خطاب آخر. باتت أرضها مسرحاً لكل الميليشيات، وسماؤها مسرحاً لكل سلاح طيران يريد أن يحارب «داعش». وفي هذه الغابة من الميليشيات والمقاتلين والطائرات من كل حدب وصوب، صار لزاماً على سلاح الجو الروسي أن ينسق من قاعدته في اللاذقية تحديداً مع سلاح الجو الإسرائيلي بمعرفة وموافقة الرئيس السوري. أي أن إسرائيل، التي يقال أن الأسد كان (في يومٍ ما) يقود المقاومة ضدها، تساهم مع الروس والإيرانيين في حمايته، وحماية نظامه من السقوط.

الأنكى من كل ذلك، أن حكم حزب البعث العربي الاشتراكي لسورية يقتطع قرابة نصف تاريخ الـ100 سنة الماضية، من حيث أنه بدأ في 1968. من هذه 45 سنة رزحت سورية خلالها تحت حكم حافظ الأسد (30 سنة)، ثم ابنه بشار الأسد (15 سنة). ما يعني أن مأساة سورية بدأت في أصلها من داخلها، ثم تفاقمت مع حكم البعث، وتحديداً حكم آل الأسد. ومع ذلك تصر موسكو على أن الشعب السوري هو من يجب أن يقرر مصير الرئيس. اللافت أن هذا الرئيس قال لصحيفة الـ «وول ستريت جورنال» الأميركية بتاريخ 31 كانون الثاني (يناير) 2011، أي قبل قرابة الشهرين من الثورة السورية، ما نصه حرفياً «إذا لم ترَ الحاجة إلى الإصلاح قبل ما حدث في مصر وتونس، فإن الوقت يصبح متأخراً لأي إصلاح». ولأنه هو من قال ذلك، وهو محق فيه تماماً، فإن سورية لم تعد حقاً في حاجة للإصلاح، ولا في حاجة إليه هو تحديداً بعدما فشل في شكل دموي أخرق في استيعاب الثورة. سورية لن تعود كما كانت، بما في ذلك الأسد وزمنه.

 

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوهام موسكو عن مستقبل الأسد أوهام موسكو عن مستقبل الأسد



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 العرب اليوم - الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab