لبنان الصيغة أقوى من الصواريخ

لبنان... الصيغة أقوى من الصواريخ

لبنان... الصيغة أقوى من الصواريخ

 العرب اليوم -

لبنان الصيغة أقوى من الصواريخ

بقلم - مصطفى فحص

بعد مائة سنة على تأسيس دولة لبنان الكبير 1920، وثمانين سنة من الاستقلال على أساس الصيغة اللبنانية التي عرفت بميثاق 1943، وقامت على معادلة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين والتفاهم على هوية لبنان اللاغربية تطميناً للمسلمين واللاعربية إرضاء للمسيحيين... تتعرض هذه الصيغة التأسيسية للكيان اللبناني مجدداً لمحاولة التفكيك أو الهيمنة، لكن المأزق الذي واجهته سابقاً وتواجهه حالياً جميع محاولات زعزعتها أو احتكارها المتعددة أنها تصطدم دائماً بصلابة فكرتها، حتى وهي تمر بأصعب مراحل انحلالها.
تعرضت الصيغة إلى انتهاكات اليمين واليسار، وهددت عندما أصبح اليمين مسيحياً واليسار مسلماً، فلجأ الأول من اعتبارات أبويته للنظام اللبناني إلى محاولات تفصيلها على مقاساته، أما الثاني فلجأ بصفته يمثل غطاء لشرعية الكيان إلى محاولات إعادة تفكيكها وتركيبها وفقاً لموازين القوة الداخلية والتأثيرات الخارجية، وكانت الحرب الأهلية ذروة الصدام بين التوجهين، اللذين تمثلا بالجبهة اللبنانية التي استخدمت العنف المفرط في معركة الدفاع عما اعتبرته مكاسب أمنتها لها الصيغة، والحركة الوطنية التي طالبت بتعديلها ورفعت شعار الكفاح المسلح من أجل إصلاح النظام السياسي الذي أنتجته صيغة 1943.
خاض الطرفان محاولة ابتلاع الصيغة والهيمنة على النظام اللبناني، واستخدما جميع إمكاناتهما السياسية والثقافية والعسكرية في معركة الاستقواء، لكنهما عادا مهزومين، حيث فشل كل طرف منهما في تحقيق الغلبة، بالرغم مما تلقياه من دعم خارجي، فلم يستطع الرئيس الراحل بشير الجميل فرض وصايته على الصيغة، وفي المقابل لم يتمكن الراحل كمال جنبلاط من فرض رؤيته عليها، كما أنها صمدت بوجه الانحياز الفلسطيني لليسار، ما أدى في النهاية إلى خروج ياسر عرفات من المعادلة اللبنانية ومن بعده سقوط اتفاق «17 أيار» وهزيمة الجيش الإسرائيلي.
عملياً أثبتت التجارب ما قبل 1990 (نهاية الحرب الأهلية) أن معادلة قوة لبنان في ضعفه لم تكن إلا نتيجة أن الصيغة اللبنانية التي رسمت بشكل مقبول إلى حد ما حدود الطوائف، وبلورة وظيفة الدولة صمدت بوجه جميع مشاريع الجماعات الطائفية العقائدية والمسلحة، حتى في زمن السلم واتفاق الطائف، أدركت الأطراف الداخلية والخارجية التي شاركت في صياغة وثيقة الوفاق الوطني، ومن أوكلت إليه مهمة تطبيقها الرئيس الراحل رفيق الحريري صعوبة تجاوز الصيغة، وبضرورة الالتزام بالمناصفة والميثاقية بعيداً عن التغيرات الديموغرافية وتأثير الجماعات الطائفية الصاعدة.
بعد أحداث 7 مايو (أيار) 2008 بدأ «حزب الله» مرحلة الهيمنة على الدولة وفرض هيبته على مؤسساتها، وأتاح له اتفاق مار مخايل مع الجنرال ميشال عون فرصة لتدجين الصيغة وإخضاعها لقوته، محاولاً استبدال ثنائية مار مخايل الاقصائية بثنائية الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح الميثاقية، معيداً ترتيب حدود الطوائف وترتيب وظائفها في إطار الدولة المتخيلة التي تمكن من هندسة سلطتها منذ فرضه انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية إلى أن أصيب بنكسة «17 تشرين».
عشية الانتفاضة كان النظام والكيان والصيغة يخضعون لإرادة «حزب الله» وفائض قوته، لكنه تلقى ضربة غير متوقعة من الشارع، فلجأ تدريجياً إلى التلويح بالقوة للحفاظ على نفوذه، إلا أن انفجار 4 أغسطس (آب) وتداعياته كسرت هيبته ووضعته أمام امتحان القوة، فإذا كان السلاح يؤمن الاستقواء لكنه لم يعد يوفر الحل، ففائض قوته بات مقيداً بسبب معضلتين؛ الأولى جغرافية وديموغرافية انفجار المرفأ، والثانية الطبيعة الطائفية للبنية القضائية اللبنانية، حيث عجز عن تحجيم تداعيات الانفجار سياسياً واحتواء أو تعطيل مسار التحقيق، وذلك بسبب حساسية موقع الانفجار.
وعليه، من كارثة المرفأ إلى فاجعة الطيونة، لم يدرك «حزب الله» بعد أن مشاريع الهيمنة في لبنان مستحيلة، وأن تركيبة الكيان وصيغته ودور طوائفه لا تسمح لأحد بالغلبة، وأن كل من أغرته قوته دفع ثمن مغامرته، خصوصاً أن من سبقوه فشلوا في اختباراتهم، فقد أثبتت هذه الصيغة متانتها، وفرضت على خصومها التأقلم مع بنيتها، وعلى متبنيها عدم محاصرتها، وأن تجاوزها شبه مستحيل، فهي في معادلة الاستقواء أقوى من الصواريخ.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الصيغة أقوى من الصواريخ لبنان الصيغة أقوى من الصواريخ



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab