بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لم أعلم بمرض المثقف الرائع، والمعلم الجامعى بحق، والناقد الأدبى العميق، د. سيد البحراوى إلا عن طريق كتابه الجديد الملهم «فى مديح الألم». تأخذنا دوامات لا تنتهي، فلا نعرف أخبار من نحبهم إلا مصادفة رغم أننا نقول كل يوم إن العالم صار «قرية صغيرة».
الكتاب ليس عن المرض الخبيث الذى أصاب البحراوي، وعرف فى نهاية عام 2014 أنه أقام فى رئته. انه كتاب عن فلسفة التعامل مع الآلام المترتبة على المرض. فقد جعل مرضه مناسبة لتأمل مسألة الألم كفكرة وفلسفة. شغله هذا الموضوع فى رحلة علاج السرطان، فانتبه إلى أن الألم قرين الحياة.
وهذه حقيقة حياتية يغفل عنها الإنسان حين يكون فى صحة وعافية0 ولذلك فعندما قالت له صديقة زارته إنها تخاف الألم ولا تحب الحديث عنه، رد عليها بأن هذا أيضا نوع من الألم.
فالألم إذن جزء لا يتجزأ من الحياة. ولكن البحراوى يضيف إلى هذه الحقيقة أن الجهد البشرى كان منصباً طول التاريخ على مقاومة الألم، وأن المعارف التى أنتجها الإنسان من علم وفلسفة تهدف فى أحد أهم جوانبها إلى هذه المقاومة.
وهو يري، فى سياق تأمله العميق وهو يعانى المرض، أن الألم دفع البشر إلى الإبداع العلمى والفلسفى والفني. وهذا يفسر عنوان كتابه الذى ينطوى على مدح الألم.
ولذلك يظل البحراوى مبدعاً فى هذا الكتاب، مثلما كان فى كتبه وأبحاثه ومحاضراته ومقالاته، رغم أنه يفاجئ القارئ فى الخاتمة بأنه كان يكتب ما تضمنه من نصوص لنفسه كوسيلة علاجية تشارك فى معركة مقاومة المرض، ولكنه رأى فى النهاية أن مريض السرطان قد يستفيد مما كتبه.
وهو يقدم بالفعل تجربة فى مقاومة المرض، وكيف يمكن للإنسان أن يعتمد على ما فى داخله من طاقة إبداعية تختلف من شخص إلى آخر فى هذه المقاومة. ولذلك تبدو النصوص التى كتبها وهو يشعر بجدوى المقاومة، وكأنها مكتوبة بلغة مختلفة. نقرأ مثلاً ما سجله فى 20 يونيو 2012 (لم يكن الوقت كله ضائعاً بين العلاج والألم. ناقشت رسالة ماجستير. وألقيتُ بعض المحاضرات. وصححتُ أوراق امتحانات. لكننى كنتُ بنصف جهد).
ورغم أنه لا يقدم نصائح بشأن تجربته هذه، لا يخلو الكتاب من نوع من النصح مثل: ( التأمل هو الصحبة الأفضل فى حالة المرض). ادعوا لسيد البحراوى بالشفاء.