بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة هى الدروس التى يُفترض أن تستوعبها الحكومة من قضية جزيرتى تيران وصنافير بمختلف جوانبها، سواء القضية نفسها ومحتوى الاتفاقية المصرية ــ السعودية بشأنها، أو طريقة إعلانها وما تنطوى عليه من مفاجأة لابد أن تخلق صدمة فى غياب أى تمهيد لها، أو الدعوى القضائية التى نظرتها محكمة القضاء الإدارى وحكمت فيها ببطلان تلك الاتفاقية0 وربما يكون الدرس الأكثر أهمية, والذى ينطبق على قضايا وأمور أخرى كثيرة, هو العواقب الوخيمة لغياب الشفافية وإخفاء المعلومات أو حجبها. لم تستوعب الحكومة درس إخفاء المعلومات المتعلقة بالمفاوضات التى أسفرت عن اتفاقية ترسيم الحدود، وفاجأت الرأى العام بإعلان هذه الاتفاقية بطريقة لم يكن ممكناً إلا أن تُحدث صدمة.
فقد أعادت إنتاج هذا المنهج الذى يستخف بأهمية الشفافية، أو يعتبرها خطراً على البلاد، فى تعاملها مع الدعوى القضائية التى رُفعت أمام محكمة القضاء الإدارى للمطالبة بإلغاء قرار إصدار الاتفاقية. استهانت الحكومة بالدعوى، ولم تقدم للمحكمة الأوراق التى طلبتها بما فيها نص الاتفاقية، أى موضوع الدعوى، وتجاهلت طلبات المحكمة المتكررة لتقديم هذه الأوراق.
ومن الطبيعى فى مثل هذه الحالة أن تنظر المحكمة فى الدعوى حسب الأوراق المتاحة أمامها، والتى قدمها المدعون، وفى غياب موقف المدعى عليه (الحكومة) الذى لا يستوعب الدروس0 ففى غياب الشفافية تتعامل الحكومة مع قضايا وطنية عامة لابد أن يطلع المجتمع عليها ويعرف تفاصيلها لأنه شريك فيها كأنها أسرار تخصها ويعنى ذلك معاملة المصريين كما لو أنهم رعايا وليسوا مواطنين.
وكان من السهل تجنب كل هذه التداعيات السلبية لقضية تيران وصنافير لو أن الحكومة أطلعت الرأى العام منذ أن بدأ الإعداد لإعلان الاتفاقية على المعلومات المتعلقة بترسيم الحدود، والأسس التى يستند إليها. كما أُتيحت فرصة أخرى بعد الصدمة التى أحدثها الإعلان المفاجئ للاتفاقية لتنظيم حوارات عامة هادئة وهادفة. ولكن الذهنية التى تعتبر الشفافية خطراً حالت حتى دون تسليم نص الاتفاقية للمحكمة، وتسببت فى مأزق جديد بعد صدور الحكم. وهكذا أصبح واضحاً أن الشفافية ليست خطراً، وأن غيابها هو الذى يؤدى الى أخطار يسهل تجنبها. وهذا هو الدرس الأهم فى القضية.