بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يلاحظ من يقرأ ما يتيسر له من روايات أدباء سوريين عن مأساة شعبهم أن الكتابة بكل أشكالها وأصنافها لا تستطيع التعبير عن واقع يتألم فيه الحجر, فما بالنا بالبشر. فعندما تكتب نصا عن الواقع السوري الموجع, سواء كان هذا النص سياسيا أو أدبيا, تشعر كما لو أن اللغة تتحول إلي حروف متناثرة لا تتيح كتابة جملة مفيدة.
فهذا واقع يتجاوز العقل, ويفوق في بعض جوانبه أقصي ما يمكن أن يتخيله المرء من مآس وأوجاع. ولذلك يجد كاتب المقالة أو الدراسة نفسه مضطرا لأن يفتح بابا لخياله لكي يستطيع الربط بين معلومات يجمعها, ويتضمن بعضها شهادات تكون مقتضبة في الأغلب الأعم.
وفي المقابل يضطر كاتب الرواية أو القصة إلي تخصيص مساحة أكبر مما هو معتاد لأحداث وقعت بالفعل, وسردها كما هي في سياق البناء الدرامي الذي يصنعه. ولذلك لجأ إيهاب عبد ربه مثلا في روايته الأخيرة المعنونة آخر ما تبقي من الزنبقة, ضمن أساليبه في السرد, إلي أسلوب الرسالة التي يرويها أحد شخوصه بطريقة المناجاة لكي يفتح مساحة يسرد فيها تفاصيل وقائع فعلية تدفقت عبر السطور كما لو أنها نهر جارف.
كما اعتمد علي أسلوب استعادة الأحداث للغاية نفسها, حيث يفتح بابا آخر للوقائع من خلال مقابلة تخيلها بين أحد الفارين من المأساة ومديرة مكتب منظمة دولية في العاصمة التي لجأ إليها.
وكثيرة هي أيضا الوقائع التي شحن بها نبيل سليمان روايته الأخيرة ليل العالم التي قدم فيها صورة قلمية لمدينة الرقة تحت سيطرة تنظيم داعش. امتزجت قدراته الروائية العالية بمعرفته الشخصية بهذه المدينة, فقدم صورة مبدعة بمقدار ما هي موجعة لما آل إليه حالها تحت حكم الإرهاب, ولانتقال أهلها من( زمن الاستخبارات إلي زمن الحسبة) وفق تعبيره.
وواضح أن سليمان قصد أن يختم روايته بمشهد يبدو أنه استوحي فكرته من جحيم دانتي الذي لا يضاهيه في هذا الزمن إلا جهنم السورية. وهذا ختام عبقري لأن معاناة الروائي في هذا النوع من الأعمال تزداد كلما اقترب من نهاية نصه, وهو لا يجد ضوءا في آخر النفق المظلم المتخم بالأوجاع.