بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
نسيتُ تماماً مع الوقت أن الحكومة السابقة كانت قد أعدت خطة لتطبيق منظومة للكروت الذكية بشأن الوقود، بحيث يمكن تحقيق العدالة فيها على أساس أن يزداد السعر كلما ارتفع معدل الاستهلاك. ولم أتذكر قصة منظومة الكروت الذكية هذه إلا مصادفة قبل يومين. فقد وجدتُ الكارت الذى كنتُ قد تسلمته العام الماضى داخل محفظتى عندما بحثت فيها عن إحدى الوثائق التى آن وقت تجديدها. واستعدتُ فى تلك اللحظة النقاش الذى كان قد دار حول أسعار الوقود، وانتهى إلى إعلان الحكومة اقتناعها بفكرة التدرج فى هذه الأسعار، لكى لا يحصل من لديه عدة سيارات فارهة مثلاً على البنزين بالسعر نفسه الذى يشتريه به من لا يملك سوى سيارة صغيرة، وحتى يمكن إعفاء السيارات الأجرة (التاكسى والميكروباص) من الزيادة فى أسعار الوقود وبالتالى تجنب ما يترتب على هذه الزيادة من ارتفاع فى أسعار مختلف السلع التى تُنقل من مكان إلى آخر.
ولم يقف الأمر عند حد إعلان الحكومة أنها ستطبق منظومة الكروت الذكية، بل شرعت فى تنفيذها بالفعل، وأخذ الراغبون فى الحصول على هذه الكروت فى إرسال بياناتهم, وتلقى كثير منهم الكروت الخاصة بهم، ولكل منها رقم يُستخدم ضمن برنامج الكترونى يتيح تحديد كمية الوقود التى اشتراها حامله من اليوم الأول حتى الأخير فى الشهر. فإذا زادت الكمية عن المقدار المحدد بالسعر المُدعَّم، يكون عليه أن يدفع السعر الأعلى.
وهذه منظومة عادلة تُحقَّق الحماية الاجتماعية اللازمة بطريقة حديثة، وبعيداً عن الوسائل البدائية العقيمة للسيطرة على ارتفاع تعريفة نقل الركاب، والتى شهدنا فى الأيام الماضية أشكالاً غريبة منها لا تراها فى أى بلد رُبع متقدم فى هذا العصر، ولا تؤدى إلى نتيجة فى النهاية. والسؤال الذى قد لا نجد إجابة له كالمعتاد هو: لماذا أُلغيت منظومة الكروت بعد أن صارت جاهزة تقريباً للتطبيق، وإلى متى تنفق الحكومات أموالاً فى الهواء ثم تُحمَّل تكلفتها لمن لا يكادون يجدون قوت يومهم، وإلى متى سنستسهل السياسات البدائية ونهرب من تطويرها وتحديثها، وهل إلى هذا الحد صار الإحساس بأهمية وجود شئ من العدالة فى توزيع الأعباء مفقوداً لدينا؟.