بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا يمر يوم أو يومان دون أن نقرأ أو نسمع نقداً للإعلام أو هجوماً عليه، ودعوة لإصلاحه. فقد وصل تدنى الأداء المهنى فى كثير من وسائل الإعلام، وخصوصاً المرئية منها، إلى مستوى يثير الهلع.
غير أنه ليس كل هجوم على الإعلام ينطلق من مصلحة عامة. كما أن الكثير من هذا الهجوم يثير شكوكاً فى مدى معرفتنا بمعنى الإعلام ودوره، وإدراكنا طبيعة الإصلاح الضرورى فيه. وعندما نتابع تقييم بعض من يهاجمون أداء الإعلام الأمريكى فى انتخابات ترامب ـ كلينتون، تزداد هذه الشكوك. فالاتجاه السائد يعتقد أن الإعلام الأمريكى لم يلتزم الحياد.
غير أن هناك خطأين فى هذا التقييم. أولهما الخلط بين الخبر والرأى. فقد كان الانحياز لكلينتون ظاهراً فى المقالات والأعمدة الصحفية لأنها تعبر عن آراء كتاَّبها. ولذلك لا يقاس التوازن بما تتضمنه المقالات، بل بما تقدمه التغطية الخبرية.
ويقودنا ذلك إلى الخطأ الثانى فى التقييم، إذ تدل المتابعة السريعة على أن حملة ترامب حظيت بمساحات مساوية لما حصلت عليه حملة كلينتون، وربما أكثر فى بعض الأحيان.
فقد ركز الإعلام على فجاجة خطاب ترامب وفظاظته، الأمر الذى فسره القائلون بانحيازه من زاوية أنه يهدف إلى تنفير الناخب منه. ولكن الواقع أن ترامب قصد أن يكون خطابه على هذا النحو, بل تعمد المبالغة فى ذلك لاجتذاب الناخبين الأكثر غضباً على المؤسسة الأمريكية التقليدية.
وساعده الإعلام فى ذلك دون أن يقصد لأنه ينساق وراء الإثارة ويضعف أمام كل ما يثير الغرائز، بعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى محركة له ومنافسة فى آن معاً.
فقد أغراها خطاب ترامب المثير، فأغفلت دورها فى فتح حوار جاد حول القضايا التى عمد إلى اختزالها وتسطيحها. ولم تواجهه بالأسئلة المحرجة, ولم تسأل عن خلفيته الفكرية أو إلمامه بما تحدث عنه، لم تناقش مثلا تأكيده أن قضية الاحتباس الحرارى وهمية أو «كذبة روجتها الصين» على حد قوله.
ولذلك كان الانسياق وراء الإثارة والتسطيح، وليس الانحياز، أهم عناصر الخلل العابر فى أداء الإعلام الأمريكى فى الانتخابات الأخيرة. فهل نعرف أن هذا الخلل المقيم فى اعلامنا هو أحد أكبر الأخطار التى تهدد مستقبل بلدنا؟