بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا يخفى الدور الكبير الذى يقوم به التليفزيون منذ ستينيات القرن الماضى فى صنع حكام وسياسيين عن طريق رسم صورة معينة تختلف عن الواقع. ووصل الأمر إلى حد أن بعض الحكام المستبدين اعتمدوا عليه اعتماداً شبه كامل فى الوصول إلى السلطة والبقاء فيها طيلة حياتهم. والمثال الأبرز على ذلك الرئيس الفنزويلى الراحل هوجو شافيز الذى تولى السلطة لمدة 15 عاماً، ولم يتركها إلا إلى العالم الآخر. فقد برع فى استخدام الشاشة لاستمالة الجمهور بحكم خبرته قبل الرئاسة كمقدم برامج ومسابقات تليفزيونية، حيث كان قادراً على جذب أعداد كبيرة من المشاهدين وإشعال حماسهم.
ولذلك فعندما ظهر دونالد ترامب على مسرح الانتخابات الأمريكية، بدا أن تجربته التليفزيونية ستكون عاملاً مهماً فى رفع أسهمه وتيسير مهمته. فهو يتميز بحضور قوى وشخصية ذات سمات قيادية، فضلاً عن خبرته فى برنامج تليفزيونى يسمى «ذا إبرانتيز» أى المبتدئ، حيث كان يُقدّمه ويقوم بدور الحكم بين المشاركين أو المتسابقين فيه. كما أنه يجيد إطلاق تصريحات تخلق أثراً عاطفياً أو انفعالياً فورياً، وتؤدى إلى ازدياد التفاعل معه. وكثيرة بالفعل النيران الإعلامية التى أوقدها منذ بداية الحملة الانتخابية، واشتعل فيها سحر حضوره التليفزيونى الذى يضعف أمامه المشاهدون الأقل وعياً. غير أن هذا السحر الذى يجيده انقلب عليه، وأصبح من عوامل تراجعه أمام منافسته المخضرمة هيلارى كلينتون. فقد تحول الأثر الإيجابى لحضوره التليفزيونى فى اتجاه معاكس فى الأسابيع الأخيرة التى ظهر فيها مضطرباً وعاجزاً عن مجاراة منافسته، وخصوصاً منذ المناظرة الأولى التى كان واضحاً أنها بذلت جهداً فى الإعداد الجيد لها، واعتمدت على تقديم رسائل سياسية محددة، وليس على صورة تريد أن ترسمها لنفسها.
وتكرر ذلك فى المناظرتين التاليتين، إذ لم تفد خبرة ترامب التليفزيونية الطويلة فى موقف يتطلب خبرة من نوع آخر. وسقط الاعتقاد الذى كان شائعاً فى أن التليفزيون يُعد أداة ترامب التى يمتلكها، والوسيلة الأكثر فاعلية فى حملته الانتخابية.
ولا غرابة فى ذلك، لأن الاعتماد على صورة يرسمها الإعلام بمنأى عن الواقع قد يفلح لبعض الوقت، ولكنه لا يفيد طول الوقت، حيث يظهر أثره العكسى عاجلاً أو آجلاً.