بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
عندما صدر التقرير السنوى للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن الخدمات الصحية عام 2015 أمس الاول، كانت زوجتى قد تلقت فى اليوم نفسه استغاثة من إحدى صديقاتها طالبة المساعدة
فى البحث عن غرفة عناية مركزة فى أى مستشفى لأن والدتها المريضة كانت معّرضة للموت بين لحظة وأخرى. لم تكن هناك غرفة عناية خالية فى كل المستشفيات التى اتصلوا بها. وأمكن العثور على غرفة بصعوبة شديدة فى أحد المستشفيات قبيل فوات الأوان.
لم يتضمن التقرير عدد غرف العناية المركزة فى المستشفيات. ولكنه قدم إحصاءً مهماً يفيد فى التحذير مرة أخرى من خطورة حالة الصحة، وتوجيه الانتباه إلى أن التعليم والرعاية الصحية هما جناحا التنمية البشرية التى لا يتقدم بلد دونها.
ولعل أهم ما كشف عنه الازدياد الكبير والسريع فى أعداد المستشفيات الخاصة بعد أن أصبحت مشاريع تجارية تحقق أرباحاً وفيرة ومضمونة. فقد ازداد عددها من 941 إلى 1002 مستشفى بنسبة 6.5%. ولا اعتراض على ذلك, لأننا فى حاجة إلى أضعاف هذا العدد من المستشفيات. ولكن المشكلة تكمن فى أنها مخصصة لشريحة اجتماعية محدودة تقدر على أسعارها الباهظة. كما أن الفرق هائل فى الإمكانات بينها وبين المستشفيات العامة التى أوضح تقرير الجهاز المركزى أن عددها زاد بمقدار مستشفى واحد فقط عام 2015 مقارنة بالعام السابق (660 مقابل 659)!.
ولكن ضحالة الخدمة أهم من ضآلة الزيادة فى عدد المستشفيات العامة لأن أغلبيتها الساحقة تحتاج إلى تطوير كامل تقريباً لمختلف جوانب الخدمة، بعد أن تدهورت أوضاعها على مدى أكثر من أربعة عقود ولم تعد مؤهلة لتقديم الحد الأدنى من الخدمة الصحية, والمتوقع أن يزداد هذا التدهور مع ارتفاع أسعار مختلف مستلزمات العلاج، وليست الأدوية فقط، ما لم ننتبه إلى الأخطار المترتبة على «الخصخصة» الفعلية التى تحدث تدريجياً للخدمة الصحية، على نحو يؤدى إلى حرمان غير القادرين من إمكانات العلاج0 فهل نترك المرضى غير القادرين ليموتوا فى الوقت الذى يُلزم الدستور الدولة برعاية صحية حقيقية؟.