البحث عن نخبة

البحث عن نخبة

البحث عن نخبة

 العرب اليوم -

البحث عن نخبة

بقلم : عمرو الشوبكي

الحديث عن النخبة فى مصر مرتبط عادة بالحديث عن الأزمة، ونخبة مصر تغيرت واختلف عليها منذ ثورة 1919 حتى نهايات عهد مبارك، ودائماً ما حكم الموقف منها أمران: الأول هو نقد النخبة والحديث عن فقدان الثقة بينها وبين عموم الناس، والثانى هو خطاب رفض النخبة من حيث المبدأ، وأن البديل هو فى ادعاء البحث عن «لا نخبة» الذى لم يحدث عندنا أو عند غيرنا.

يقيناً، إن النخبة التى صعدت عقب ثورة يوليو 52 هاجمت بقسوة النخبة القديمة، وألبست نفسها ثوب المُخلِّص من فساد الأحزاب، وأنها المنقذ لمصر من الاستعمار والنخبة الملكية والسياسة الفاسدة، واعتبرت أن فشل نخبة الأحزاب السياسية قبل الثورة فى تحقيق مطالب الشعب فى الاستقلال والدستور والعدالة، كان المبرر الرئيسى وراء وقوف غالبية الناس خلف ثورة الضباط الأحرار ضد النظام القديم، وتصوروا أن عصر «لا نخبة» قد هل هلاله، وأن هناك قيادة نقية جديدة ستقضى على فساد نخب السياسة والأحزاب، فى حين أن الواقع أكد أن الحديث عن «لا نخبة» كان وهماً دعائياً، وأن البلاد شهدت نخبة جديدة ارتبطت بعصر عبدالناصر وثورة يوليو بما لها وما عليها.

والمؤكد أن خطاب رفض النخبة كان دائماً طريقاً لنخبة ثانية، فرفض نخبة العصر شبه الليبرالى فتح الباب أم ظهور نخبة ثورة يوليو، التى بدأت بإدانة نخبة الأحزاب كمعبر لتأسيس نخبة جديدة، وأن إدانة نخبة عبدالناصر كانت الطريق لفتح الباب أمام نخبة السادات، أما نخبة مبارك فلم تدن أحداً ولم تُشِدْ بأحد لأنها كانت مجرد استمرار لما هو قائم بسقف طموحات متوقف عند الإدارة باليوم وبالقطعة.

وجاءت ثورة 25 يناير وفُتح الطريق لتأسيس نخبة جديدة سرعان ما تعثرت لأسباب كثيرة، أهمها ضعف النخب البديلة، وربط أهداف الثورة بالخطاب الاحتجاجى، وهو ما ساعد على وصول الإخوان للسلطة بطريقة جعلت تغييرهم بطريقة ديمقراطية أمراً مستحيلاً.

وروَّج الإخوان عقب وصولهم للسلطة أيضاً مقولة إنهم ليسوا نخبة، وإن معارضيهم هم النخبة، وأذكر أنى كتبت فى 21 يناير 2013 مقالاً تحت عنوان «الإسلاميون أيضاً نخبة» (وقت أن اختفى من ادعوا معارضة الإخوان من المخبرين الرخيصين الذين ظهروا بعد أن غادر الإخوان السلطة) وجاء فيه: «إن هذا الحديث عن نخبوية المعارضة المدنية يتناسى أن الإسلاميين وتحديداً الإخوان أصبحوا (نخبة حاكمة)، ولم يعودوا فى المعارضة كما كانوا من قبل، وأن عشرات منهم أصبحوا وزراء ومحافظين ومسؤولين كباراً فى أجهزة الدولة، وأن تصوير الأمر على أن المعارضة هى (النخبة) وأهل الحكم هم (بتوع الجماهير) فيه مغالطة وتزييف للحقائق، لأن الإخوان يحكمون ويسيطرون الآن على مقاليد السلطة ولا يستمعون إلا لأنفسهم ولا يتحاورون إلا مع حلفائهم، ثم يوهمون جانباً من جماهيرهم أن نجوم الفضائيات هم منافسوهم من أبناء التيارات المدنية».

وفشل الإخوان فى خلق نخبة مقنعة للناس، حتى لو ادعت كل يوم أنها ليست نخبة، إنما كانت نخبة ونصف، سعت للتمكُّن من السلطة والبقاء الأبدى فيها.

وعقب 30 يونيو تأسس مشروع للحكم رافض للنخبة التى فشلت فى الحكم والمعارضة على مدار 3 سنوات، وغير مرحب بالديمقراطية التى تعثرت وأوصلتنا لحكم الإخوان، وأصبح رفض النخبة والحديث المتكرر عن فشلها وشيطنتها مساوياً لدور أكبر للمؤسسة العسكرية وأيضاً تدخل مباشر للأجهزة الأمنية حتى بات من الصعب (وكما حدث فى فترات سابقة) أن تفصل عملية رفض النخب القديمة عن صعود نخبة جديدة حتى لو قالت كل يوم إنها ليست نخبة وإنها ضدها وتكرهها، فهى مجرد حجة لتثبيت دعائم حكم ونخبة جديدة.

والحقيقة أن حديث البعض عن رفض النخبة وكراهيتها كمسوغ لحكمه الجديد (وكأنه سيحكم بلا نخبة) أمر تكرر فى تاريخنا المعاصر، وفى كل مرة كانت هناك نخبة جديدة اختلف الحكم عليها، إلا أنها فى بعض الأحيان كانت أسوأ من التى قبلها.

ولذا من الصعب القول إن مصر حالياً لا تحكمها نخبة، صحيح أن الهجوم على نخبة الأحزاب والنخبة المدنية كان لصالح التأسيس لنخبة الدولة العميقة ومؤسساتها، فليس غريباً أن يقول وزير التنمية المحلية إن التمييز فى اختيار المحافظين سيكون لصالح أبناء الشرطة والجيش، وإن أى دراسة تقارن أعداد النخبة القادمة من خلفية عسكرية سيكتشف زيادتها وسيطرتها على جوانب مدنية كثيرة فى العامين الأخيرين.

قد تكون هناك أسباب كثيرة أدت إلى ذلك، منها ضعف الأحزاب وعدم قدرتها على إفراز نخبة سياسية، إلا أن الواقع يقول إننا نحكم من خلال نخبة، وإن كل مؤسسة فى مصر والعالم، سواء كانت مدنية أو عسكرية، لها نخبة ولها قادة، وإن النخبة هى التى تحكم العالم إلا إذا اعتبرنا أن عصر «لا نخبة» على طريقة جماهيرية القذافى الوهمية هو طريقنا.

ستتقدم مصر إذا أقرت بتنوع نخبها وتياراتها، ووضعت أساساً قانونياً ودستورياً للتنافس فيما بينها، وتعاملت بلا عقد مع خلفيات تلك النخب (عسكرية أو مدنية) فالكل سواء، والكل لديه مميزات وعيوب، ولا يجب أن تحتكر نخبة منهم السلطة وتقول إنها ليست نخبة، أو إنها تكره النخبة، وتضحك بذلك على بعض البسطاء من أجل احتكار السلطة.

arabstoday

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

GMT 05:40 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

الإسقاط على «يوليو»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث عن نخبة البحث عن نخبة



ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:17 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية في غرب إفريقيا تجمع بين جمال الطبيعة والثقافة
 العرب اليوم - وجهات سياحية في غرب إفريقيا تجمع بين جمال الطبيعة  والثقافة

GMT 09:12 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

خامنئي يحذر من التهويل بشأن الهجمات الإسرائيلية على إيران
 العرب اليوم - خامنئي يحذر من التهويل بشأن الهجمات الإسرائيلية على إيران

GMT 15:14 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

جهاز مبتكر ورخيص يكشف السرطان خلال ساعة

GMT 12:48 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

حسين فهمي يعلن للمرة الأولى سراً عن أحد أعماله

GMT 01:06 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

كأنّك تعيش أبداً... كأنّك تموت غداً

GMT 22:47 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله يصدر تحذيرا لإخلاء مستوطنات إسرائيلية "فورا"

GMT 14:24 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة العمل المالي 'فاتف' تدرج لبنان في قائمتها الرمادية

GMT 09:26 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

رونالدو يبحث عن مشجع ذرف الدموع وهتف باسمه في دبي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab